كانت المرأة في العصر الجاهلي في مستوى هابط جدّا ، وجاء الإسلام ليأخذ بيدها ويرفعها إلى حيث مستواها الإنساني الرفيع ، ولكن هذا التحوّل الجذري بشأنها هل أمكن حصوله بصورة فجائية وبلا تمهيد مقدّمات؟ أم كان بحاجة إلى مهل وبصورة تدريجية لقلب تلك الغلظة المتوهّجة إلى رقّة ورأفة هادئة؟ الأمر الذي يستدعي المسايرة مع القوم بعض الشيء في هذا الطريق الوعر ليمكن إيقافهم أو تمهيد أسباب هذا الإيقاف فيمكن إرجاعهم إلى حيث فطرتهم الإنسانية الأصيلة!
وهكذا جارى الإسلام العرب في بادئ الأمر في قسم من عاداتهم ـ كانت متحكّمة عليهم تحكّما وثيقا ـ وفي أثناء هذه المجاراة والمسايرة ، أخذ ينفث في روعهم روح الملاءمة وإبعاد الخشونة لتلين قلوبهم ويهتدوا إلى وجه الصواب ، فيرتدعوا بأنفسهم شيئا فشيئا عن الأخطاء التي كانت تجذبهم بقوّة ذلك العهد.
وهذا النحو من سياسة التدبير نرى الإسلام قد اتّخذها بشأن لفيف من عادات جاهلية لم تكن متحكّمة على العرب وحدهم ، بل على سائر الأمم على وجه العموم. ومن ثمّ كان قلع جذورها بحاجة إلى مهلة وفرصة زمنية ، قصيرة أو طويلة ، وتمهيد مقدّمات أصولية تمهّد هذا السبيل.
ويمكننا التمثيل لذلك بمسألة الرقّية التي جاراها الإسلام ، حيث تحكّمها على العالم كلّه يوم ذاك ، وكانت سلعة تجارية ضخمة ، لا يمكن مجابهتها بلا تمهيد مقدّمات ، فقد قام الإسلام في وجهها ، لكن لا بشكل علنيّ صريح ، ولكن أعلن مخالفته لمنشإ الاسترقاق الذي كان عليه جمهور الامم ذلك العصر ، وسدّ طريقه ـ شرعيّا ـ ما عدا حالة الاستيلاء على المحاربين في ميدان القتال. الأمر الذي كان يخصّ الرجال المحاربين ضدّ الإسلام دون غيرهم ، ولا النساء ولا الأطفال والشيوخ ، ورفض رفضا باتّا إمكان الاسترقاق بأيّ وجه كان.
ثمّ إنّه مع ذلك جعل الطريق لتحرّرهم فسيحا وفي أنحاء وأشكال ، حسبما نذكره.
واتخاذ مثل هذه الاجراءات لقطع جذور عادة جاهلية ساطية ، قد اصطلحنا عليه