أساسيّين : ثابتة ومتغيّرة. أمّا الثابتة فهي التي شرّعت وفق مصالح عامّة عموما يشمل الأجيال والأزمان مدى الدهر ، وهي الأصل في التشريع حسب ظاهره الأوّلي ، إلّا إذا دلّت القرائن على أنّها من المتغيّرات ، وهي التي شرّعت لمصالح وقتية تنوط ببقاء تلك المصالح وتذهب بزوالها. وهذا في جانب الأحكام السياسية الصادرة من اولي الأمر نجده بكثير. وقد فصّلنا الكلام في ذلك وذكرنا المعايير التي يمكن التمييز بين القسمين ، والأصل المرجع عند الشكّ. (١)
أمّا القول بالتنازل والمداهنة أو المجاملة مع القوم فهي عقيدة باطلة يرفضها أصالة التشريع الإسلامي المستند إلى وحي السماء ، ويأبى الله ورسوله ذلك. (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ). (٢)
* * *
وسؤال آخر : هل كان الطلاق والرجوع في العدّة ـ بذلك الشكل الفظيع ـ عادة جاهلية ليكون موضع الإسلام منها تعديلها إلى وجه صحيح؟
قال الشيخ محمّد عبده : كان للعرب في الجاهليّة طلاق ومراجعة في العدّة ، ولم يكن للطلاق حدّ ولا عدد ... فكان ذلك ممّا أصلحه الإسلام.
في حين أنّ جواز الرجوع في العدّة ـ في الطلاق الرجعي ـ وكذا تشريع العدّة للطلاق أمر لم يكن للعرب ولا لسائر الأمم عهد بذلك من ذي قبل ، وإنّما هو من مبدعات الإسلام ، وتشريعاته التأسيسية الحكيمة. حتّى أنّ الإمام عبده استشهد بقضية وقعت في عهد متأخّر في المدينة ، حيث جاءت المرأة وشكت عند عائشة لترفع أمرها إلى النبيّ صلىاللهعليهوآله ونزلت آيات من اخريات سورة البقرة ، ولعلّها في العام السادس أو السابع للهجرة! وقد صرّح الطبري بأنّه كان على عهد النبيّ ، وكان رجلا من الأنصار. (٣)
__________________
(١) تجد جانبا من ذلك في رسالتنا «ولاية الفقيه» الفارسيّة ص ١٧٢ ـ ١٧٤.
(٢) البقرة ٢ : ١٢٠. وفي آية اخرى : (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ). البقرة ٢ : ١٤٥. وفي ثالثة : (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ). الأنعام ٦ : ١١٦.
(٣) جامع البيان ، ج ٢ ، ص ٢٧٦.