وذكر في سبب نزول الآيات ٢٢٨ ـ ٢٣٢ من سورة البقرة بهذا الشأن : أنّ الرجل كان يطلّق امرأته ما شاء أن يطلّقها وهي امرأته إذا ارتجعها وهي في العدّة وإن طلّقها مائة مرّة وأكثر ، حتّى قال رجل لامرأته : والله لا أطلّقك فتبيني ، ولا آويك أبدا! قالت : وكيف ذلك؟ قال : اطلّقك ، فكلّما همّت عدّتك أن تنقضي راجعتك. فذهبت المرأة حتّى دخلت على عائشة فأخبرتها ، فصبرت عائشة حتّى جاء النبيّ صلىاللهعليهوآله فأخبرته بذلك ، فسكت النبيّ هنيئة حتّى نزل القرآن : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ... فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ...) إلى آخر الآيات. (١)
حاول بعض الكتّاب العصريّين أن يجعل من التشريعات الإسلاميّة متأثّرة بعض التأثّر بتقاليد كانت سائدة ذلك العهد ، فهو وإن كان قام بتعديلات خطيرة في تقاليد العرب لكنّه مع ذلك اضطرّ إلى الرضوخ لبعض تقاليدهم جريا مع مقتضيات الزمان ، ومنها أمر الطلاق حيث جعله بيد الرجل وفقا مع عرف القوم السائد! قال : ولا سيّما إذا ما لاحظنا أنّ التشريعات الإسلامية في مثل هذه الشئون إمضائية وليست تأسيسية كما هو معروف. (٢)
* * *
ولنا أن نتساءل : هل تنازل الإسلام في تشريعاته الاولى ـ ولو في جوانب منها ـ إلى حيث مستوى ثقافة ذلك العهد وتلاؤما مع مقتضيات عصره حتّى تصبح صالحة للتغيير مع تطوّر الزمان؟
الجواب : كلّا ، ولا سيّما التشريعات التي جاءت نصّا في القرآن الكريم.
الإسلام جاء بثقافة جديدة شاملة ليرفض كلّ تقاليد جاهلية كانت سائدة ذلك اليوم ، وألبسها ثوب الخلود «حلال محمّد حلال أبدا إلى يوم القيامة وحرامه حرام أبدا إلى يوم القيامة». (٣) إلّا ما كان من قبيل التدبير في الشئون السياسية لإدارة البلاد وفق شرائط الزمان على ما أسلفنا. ومن ثمّ كانت التشريعات الإسلامية منذ البدء تنقسم إلى قسمين
__________________
(١) الدرّ المنثور ، ج ١ ، ص ٦٦٢ ؛ ومجمع البيان ، ج ٢ ، ص ٣٢٩.
(٢) الدكتور حسين مهرپور أخصّائي في الحقوق ، مجلّة «نامه مفيد» ، العدد ٢١ ، ص ١٦١.
(٣) راجع : صحيحة زرارة في الكافي ، ج ١ ، ص ٥٨ ، رقم ١٩.