التأثّر بالبيئة!
هل تأثّر القرآن بثقافات عصره؟
جاء القرآن ليؤثّر ويكافح عادات جاهلية بائدة لا ليتأثّر ويخضع لأعراف كانت جافية إلى حدّ بعيد. (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)(١) ومن أمعن النظر في تعاليم القرآن الرشيدة ـ يجدها بحقّ نابية عن التشابه لأعراف كانت نائية فكيف بالتأثر بها.
ولكن هناك من زعم أنّ في القرآن كثيرا من تعابير توائم أعراف العرب يوم ذاك ممّا ينبو عنها أعراف متحضّرة اليوم. وأخذوا من وصف نعيم الآخرة والحور والقصور ممّا يلتئم وعيشة العرب القاحلة حينذاك ، شاهدا على ذلك. وكذا الإشارة إلى أمور خرافة كانت تعتنقها العرب ولا واقع لها اليوم دليل آخر. والعمدة أنّ التكلّم بلسان قوم ليستدعي الاعتراف بما تحمله الكلمات من معاني عندهم لاحظوها عند الوضع فلا بدّ أنّها ملحوظة أيضا لدى الاستعمال.
هكذا زعم القوم ولكنّه وهم توهّموه محضا ، وإليك التفصيل.
ولنمهّد قبل ذلك مقدّمات تنفعنا في صميم البحث :
__________________
(١) تكرّر هذا المقطع من الآية في القرآن ثلاث مرّات (التوبة ٩ : ٣٣ ؛ الفتح ٤٨ : ٢٨ ؛ الصفّ ٦١ : ٩) دليلا على التأكيد البالغ.