وذلك أنّ «بيلاطس» كان يعتقد براءة المسيح من كلّ ما يرميه به اليهود. كما أنّ امرأته أيضا كانت عاطفة على يسوع ، مهتمّة بأمره ، حريصة على أنّه لا يمسّ بسوء ، وقد أوصت زوجها بذلك ...
ففي إنجيل متّى : وإذ كان جالسا على كرسيّ الولاية ، أرسلت إليه امرأته قائلة : إيّاك وذلك البارّ ، لأنّي اليوم تألّمت كثيرا في حلم من أجله. (١)
ومن ثمّ نرى أنّ المسيح لم يمكث على خشبة الصلب طويلا ، ولم تكسر رجلاه كما كسرت رجلا المصلوبين الآخرين. بل جاء يوسف ـ وهو أحد تلاميذ المسيح ـ وتسلّم الجسد ، وتعجّبوا من موته سريعا ، فلفّه في كفن ووضعه في قبر له كان هناك.
ولا سبب لذلك إلّا العناية الخاصّة التي كانت تحوط المسيح من ناحية الوالي بيلاطس وزوجته ويوسف ونيقوديموس ...
فلهذه الاعتبارات جعلوا يقولون : إنّ المسيح تظاهر بالموت وحسبه الناس ميّتا ، ولم يكن قد مات. والذي تولّى إنزاله رجل من تلاميذه في الحقيقة ، وكان ذلك التظاهر بإيحاء منه وساعده الوالي على ذلك بأن سلّم له في إنزاله عن الخشبة ، واليهود في غفلة عمّا بينه وبين المسيح من العلاقة. ولفّه في كفن ووضعه في القبر وأجاف على الباب حجرا. (٢)
* * *
هذا ، ولم يصرّح القرآن بنوعية الشبهة. وقصّة إلقاء الشبه على «يهوذا الأسخريوطي». جاءت في إنجيل برنابا وبعض المصادر النصرانية. (٣) ولعلّه الأصل في شيوع ذلك بين مفسّري العامّة ، وعمدتهم : وهب بن منبّه (٤) الذي اشتهر بكثرة النقل عن أهل الكتاب ولا سيّما نصارى نجران (٥) ولم يؤثر عن أئمّة أهل البيت عليهمالسلام شيء من ذلك في تفاسيرنا القديمة المعتمدة (٦) سوى ما جاء في التفسير المنسوب إلى عليّ بن إبراهيم
__________________
(١) إنجيل متّى ، إصحاح ٢٧ / ١٩.
(٢) راجع : قصص الأنبياء للنجّار ، ص ٤٢٨ ـ ٤٢٩.
(٣) المصدر : ص ٤٤٨ ـ ٤٤٩.
(٤) راجع : جامع البيان ، ج ٦ ، ص ١٠ ـ ١٢ ؛ ومجمع البيان ، ج ٣ ، ص ١٣٦.
(٥) راجع : الإسرائيليات والموضوعات لأبي شهبة ، ص ١٠٥ ؛ ومعجم البلدان ، ج ٥ ، ص ٢٦٧.
(٦) راجع : تفسير العيّاشي ، ج ١ ، ص ١٧٥ و ٢٨٣ ؛ وتفسير التبيان ، ج ٢ ، ص ٤٧٨ وج ٣ ، ص ٣٨٣ ؛ ومجمع البيان ، ج ٢ ، ص ٤٤٩ وج ٣ ، ص ١٣٥ ؛ وتفسير أبو الفتح الرازي ، ج ٣ ، ص ٥٥ وج ٤ ، ص ٦١.