غير أنّ هنا سؤالا : هل المسيح رفع بروحه وجسده إلى السماء وهو حيّ يرزق حتى يرجع إلى الأرض في آخر الزمان كما في كثير من روايات إسلامية؟ أم رفع بروحه دون جسده وأنّ الله توفّاه أي أماته وقبض روحه؟
يقول البعض من علماء الغرب : ليس في القرآن نصّ على بقاء المسيح حيّا يرزق في السماء ، بل التصريح بموته ، وأنّ الله توفّاه : (١)
(إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ). (٢)
وهذا يدلّ على أنّه تعالى أماته ثم رفع بروحه إلى السماء ...
وهكذا قوله : (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ). (٣)
ولكنّ التوفية : أخذ الشيء أخذا مستوفى ، أي بكماله وتمامه ، ومنه : وفاء الدين. وليس دليلا على الموت صرفا. (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها) ، (٤) (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ). (٥)
على أنّ الأناجيل متّفقة على أنّ المسيح عليهالسلام قام من القبر وذهب إلى حيث لم يره أحد غير تلاميذه ، وافتقدوا جسده فلم يجدوه. فلعلّه لم يمت حين الصلب وإنّما ذهب وعيه ، ثمّ رجع إليه بعد وضعه في القبر. حيث لم يهالوا عليه التراب ـ حسبما نصّت عليه الأناجيل ـ وإنّما وضع على القبر حجر فوجدوا الحجر مدحرجا عن القبر.
وجاء في إنجيل «متّى» : إنّ ملاك الربّ نزل من السماء وجاء ودحرج الحجر عن الباب ، وقال للمرأتين اللتين جاءتا لتنظرا القبر : لا تخافا ، إنّي أعلم أنّكما تطلبان يسوع المصلوب. ليس هو هاهنا. لأنّه قام كما قال. هلمّا انظرا الموضع الذي كان الربّ مضطجعا فيه. واذهبا سريعا وقولا لتلاميذه : إنّه قام من الأموات. ها هو يسبقكم إلى الجليل. هناك ترونه.
فخرجتا سريعا من القبر بخوف وفرح عظيم راكضتين لتخبرا تلاميذه. فيما هما
__________________
(١) عيسى والقرآن ، ص ٢٠٧ ، ترجمة وتحقيق الاستاذ محسن بينا.
(٢) آل عمران ٣ : ٥٥.
(٣) المائدة ٥ : ١١٧.
(٤) الزمر ٣٩ : ٤٢.
(٥) الأنعام ٦ : ٦٠.