١٠ ـ ذكر «متّى» أنّ حجاب الهيكل قد انشقّ إلى نصفين اثنين من فوق إلى أسفل حين أسلم المسيح الروح ، والأرض تزلزلت والصخور تشقّقت والقبور تفتّحت ، وقام كثير من أجساد القدّيسين الأموات. وأمّا «مرقس» فقد أهمل هذا القول كلّه ولم يذكر منه شيئا. وقال «لوقا» : واظلمت الشمس وانشقّ حجاب الهيكل ، ولم يذكر زلزلة الأرض ولا غير ذلك ممّا ذكره «متّى».
وعدّد الاستاذ النجّار أكثر من ثلاثين موضعا خالفت فيها الأناجيل ، وعقّبها بقوله : أراني قد مللت جدّا من إيراد الأقوال المتخالفة بهذا الشأن ، وأظنّ أن القارئ قد سئم كما سئمت ، ولو ذهبت في هذا الشوط أعدّد هذا التضادّ بين الأناجيل لأضعت وقتا ثمينا.
قال : وبعد ذلك فهل يظنّ ظانّ أنّ محمدا صلىاللهعليهوآله هو الذي ابتدع مسألة نفي صلب المسيح؟ (١) وإذا نظرنا إلى مسألة صلب المسيح وقتله لم نجدها عند المسيحيّين إجماعية ، بل وجد من طوائف المسيحيين من ينفي الصلب والقتل. منهم : «الساطرينوسيون» و «الكاربوكراتيون» و «المركيونيّون» و «البارديسيانيون» و «التاتيانسيون» و «البارسكاليونون» و «البوليسيون» ... وهؤلاء مع كثيرين غيرهم لم يسلّموا بوجه من الوجوه : أنّ المسيح سمّر فعلا ومات على الصليب.
وما ذكرنا هنا مقرّر في تاريخهم الذي يدرّس في مدارس اللاهوت الإنجيليّة باسم «موسى هيم». وهناك شهادات من علماء النصرانية تفيد المطّلع بصيرة :
١ ـ قال المسيو «ارادوارسيوس» الشهير ـ أحد أعضاء «الانسيتودي فرانسي» في باريس والمشهور بمعارضة المسلمين ـ في كتابه «عقيدة المسلمين في بعض مسائل النصرانية ، ص ٤٩» : إنّ القرآن ينفي قتل عيسى وصلبه ، ويقول بأنّه شبهه على غيره فغلط اليهود فيه وظنّوا أنّهم قتلوه. قال : وما قاله القرآن موجود عند طوائف من المسيحيّين ، منهم «الباسيليديون» كانوا يعتقدون أنّ عيسى وهو ذاهب لمحلّ الصلب ألقى الشبه على
__________________
(١) بل لم يكن له غاية من هذا النفي ، ولعلّ إثباته أنفع له ، حيث اليهود الّذين واجههم كانوا يقتلون الأنبياء بغير حقّ. فكانت حادثة صلب المسيح على أيديهم ادلّ شيء على هذا المدّعى ، الأمر الذي يدلّ على أنّ محمدا صلىاللهعليهوآله كان على وضع بيان الحقيقة لا غير.