رأى ذلك البناء ومع ذلك لم يهدمه. وسواء أصح قول ابن تيمية أنّه كان مسدوداً إلى عام ٤٠٠ أم لم يصح يدل على عدم حرمة البناء على القبور ، وقد مضت على هذا البناء الأعصار والدهور ، وتوالت عليها القرون ، ودول الإسلام ، ولم يسمع عن أحد من العلماء والصلحاء وأهل الدين وغيرهم قبل الوهابية أنّه أنكر ذلك وأمر بهدمه أو حرّمه ، أو فاه في ذلك ببنت شفة على كثرة ما يرد من الزوار والمتردّدين من جميع أقطار المعمورة.
هذا مضافاً إلى أنّه قد دفن النبي في حجرة بيته ودفن فيها صاحباه ولا فرق بين البناء السابق واللاحق ، ولم يقل أحد بالفرق بين البناء السابق واللاحق كمالا يخفى.
وفي تاريخ بناء الحرم النبوي ما يفيدك في هذا المجال ، جداً ، فلاحظ.
الوهابية ورواية ابن الهيّاج :
هذا وفي الختام نشير إلى ما اتّخذه الوهابيون ذريعة لهدم القبور وهو ما رواه مسلم في صحيحه إذ قال : حدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب ، قال يحيى : أخبرنا ، وقال الآخران : حدّثنا وكيع عن سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي وائل ، عن أبي الهيّاج الأسدي قال : قال لي عليّ بن أبي طالب : ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أن لا تدع تمثالاً إلّا طمسته ، ولا قبراً مشرفاً إلّا سوّيته» (١).
فقد استدل الوهابيون بقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «ولا قبراً مشرفاً إلّا سوَّيته» على لزوم هدم
__________________
(١). صحيح مسلم : ٣ / ٦١ كتاب الجنائز ؛ وسنن الترمذي : ٢ / ٢٥٦ ، باب ما جاء في تسوية القبر ؛ سنن النسائي : ٤ / ٨٨ ، باب تسوية القبر.