وبطل ما ادّعاه أكثر العلماء من أن الحديث من قبيل الطي ، وإن الثالثة ليست معطوفة على ما قبلها ؛ بل هي كلام مبتدأ ، وقوله : إنه من قبيل الطي ؛ معناه : إنه صلىاللهعليهوسلم لّما ذكر الأولين ؛ سقط في يده ، وأعرض عن الالتفات إلى أمر دنياه ، فطوى ذكر الثالثة فابتدأ بأمر هو من الأمور الدينية والأخروية هذا كلامهم ؛ وهو كلام قطعي جدا خارج عن الأدب قطعا.
بل لفظ الثلاث من الحديث نفسه وزيادته ليست بمخلّة بالمعنى ؛ لأن الصلاة من الأمور الحاصلة الواقعة في الدنيا ، وقوله : «وقرة عيني في الصلاة» (١) معطوف على ما قبله ، وبه يتم الثلاث لا منقطع عنه.
والكلام ليس من قبيل الطي ؛ لأنه وصف للنبي صلىاللهعليهوسلم بالذهول والغفلة والندم
__________________
ـ غنمه حتى يخلصها من هذه الآفات ، فاحتال لها بما يحتال بمثلها حتى يخلصها ، وكذلك هذا الموكّل بجوارحه يجنبها الآفات ، فإن أصابته آفة عمل في تخليصها بالتوبة والاستغفار ؛ كما عمل الراعي بأغنامه السبعة ، فإن أصابها كسر جبّر الكسر ، وإن رعت في مراعي السموم سقاها البادزهر والترياق ، وإن وقع الذئب بها أرسل الكلاب في استلابها منه ، وميّز شربها من مرعاها ؛ كيلا تعطش فتهلك.
فالمواعظ للنفوس كالشراب للأغنام ؛ لأن العلم حياة القلب والنفس ، كما أن الماء حياة البدن والروح ، فإذا عطشت النفس عن التذكرة هلكت الجوارح ، والصلوات الخمس تكفّر السيئات.
ألا ترى إلى قوله ـ تعالى ـ : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ* وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)[هود : ١١٤ ، ١١٥].
وقوله ـ سبحانه وتعالى ـ : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ)[النساء : ٣١].
قيل : بالصلوات الخمس : (وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً)[النساء : ٣١].
قيل : الجنة ، فهذه علتها. وانظر : إثبات علل العبودية (ص ٣٣) بتحقيقنا.
(١) تقدم تخريجه.