__________________
ـ وانتصاب العبد بين يديه ، فجاء فوقف بين يديه ممسكا عن جميع الشهوات جامعا لهذه الجوارح بين يديه ؛ كهيئة العبد الذي يريد أن يفي بما ضمن من التسليم ، وأن يتدارك ما فرط منه فلمّا فرط منه ما فرط مضى على تسلميه قلبا وفعلا ؛ ولكنه لّما فرّط في الوفاء ؛ احتاج إلى أن يقف بين يديه معتذرا ممّا فرّط مسلّما نفسه إليه.
ألا ترى إلى قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «جدّدوا إيمانكم قالوا : بماذا يا رسول الله؟ قال : بلا إله إلا الله».
وعنه قال صلىاللهعليهوسلم : «قال ربكم الأعلى : لو أن عبادي أطاعوني لأمطرت عليهم بالليل ولأطلعت عليهم الشمس بالنهار ولم أسمعهم صوت الرعد».
فإنما احتاجوا إلى تجديد الإيمان ؛ لأنه قد خلق بوله القلوب إلى الأسباب ؛ لأن من صدق الإيمان أن يكون وله القلوب إلى الله ـ تعالى ـ الذي أوله الخلق إليه ، فإذا ولهت إلى شيء دونه ذهبت قوة الإيمان وطراوته فاحتيج إلى تجديده.
وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «الإيمان حلو نزه فنزهوه».
وكذلك قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لسلمان رضي الله عنه : «قل اللهمّ إني أسألك صحة في إيمان ، وإيمانا في حسن خلق ، ونجاحا يتبعه فلاح ، ومغفرة منك ورضوانا».
فلا يسأل الصحة في الإيمان إلا من سقم ، فإذا تعلق القلب بأسباب دونه افتتن وتعلق بغير معلقه ، وكان ولهه إلى غير من هو إليه صائر.
فإن قوله : لا إله إلا الله ، هذه مقالة من قلب خلق وإيمان سقيم ؛ فلذلك قال : «جدّودا إيمانكم» ، وكذلك الإسلام.
كما أمر هاهنا بتجديد الإيمان قلبا ، كذلك أمر بتجديد الإسلام نفسا في أن يقوم إليه معتذرا ، وقد جمعت له جوارحك المنتشرة في شهواتك التي لم يؤذن لك فيها فتجدّد تسليما ، ولم يكن انتشارك هذا نقضا للعقدة : عقدة التسليم ؛ ولكن كان نقضا للوفاء : وفاء التسليم.
فإن هذه الجوارح السبع كانت عندك بأمانة وأمرت بحفظهنّ ، فتوكلّت برعايتهنّ ، والراعي إذا أهمل غنمه ؛ حوسب وعوقب وغرم ، فإذا أصبحت انتشرت كلّ جارحة منك ترعى في واديها ، فالسمع في وادي الاستماع للأصوات ، والبصر في وادي النظر إلى الألوان ، واللسان في وادي المنطق ، وكذلك كلّ جارحة.
وفي هذه الأودية سموم قاتلة من المراعي ، وذئاب ضارية ، وأجراف هاوية فعلى الراعي أن يحفظ