على ما قال حاشا عمّن هو في أعلى منصب النبوة أن يتكلم بغير رؤية ؛ بل عن اتفاق على ما عليه أكثر العامة ، وأن يندم على ما قاله ، وهو في مقام الحضور مع الله بحيث لا ينطق عن الهوى ، وإنما كل كلامه حكمة محضة ، ومعرفة حقة ، وحقيقة مطلقة ، وكيف ذهلوا عن صبغة التفضيل في قوله : «حبب» حتى تفوهوا ما تفوهوا ، فإن الشيء إذا كان محبوبا بالتحبيب الإلهي ؛ كيف يكون من الدنيا حتى يندم عليه النبي صلىاللهعليهوسلم؟
فإذا يكون النادم ؛ هو الله تعالى فحاشا عنه ؛ لأنه حبب إليه تلك الثلاث ، ثم خذله عن ذكر بعضها لّما بدا له ، فنحن نستعيذ بالله تعالى عن مثل هذا الاعتقاد في حقه صلىاللهعليهوسلم على أن شهواته كلها كانت من قبيل التشريع ، وفي حال انجذابه القوي إلى عالم القدس ، فإذا كانت شهواته بهذه المثابة فما ظنك بما صد عنه في مقام محوه وتمكينه ؛ وهذا هو الحق الصريح ، ولا يحيد عنه إلا أهل الباطل القبيح ، فطوبى لمن نبّهه الله على خطئه ، وسامح الله من مضى عليه ، ولم يبلغ قولي إليه ، ومن الله الإرشاد والتوفيق بسم الله علينا الإحسان.
٣ ـ في الحديث الصحيح : «من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه» (١) :
العمل إشارة إلى الصفات ، كما أن النسب إشارة إلى الذات.
والأول : إنما يشاء من الأسماء الحسنى الدالة على الصفات العليا.
والثاني : من نسبة قوله : «ونفخت فيه من رّوحي».
ولا شك أن نفخ الروح مشترك بين الكل ؛ ولذا لم يتميز العارف من غيره إلا بما فوق الروح من الكمال الخصيص بالسر بخلاف الصفات الإلهية ؛ فإنها مختصة بالمؤمن المطيع المتقي حق الاتقاء ، فمن لم يستكمل من حيث الصفات الإلهية ؛ لم ينفعه مجرّد كونه منفوخ الروح ؛ لأن المعتبر في الكمال أن يكون بالفعل لا بالقوة ، فكان هذا نظير الشخص الحسن من حيث هيئات وجوده ، مع اللباس القبيح ، والصفة إذا كانت غالبة : يستحيل الذات إلى صورة الصفة ، فيكون الذات والصفة قبيحين.
__________________
(١) رواه مسلم (١ / ٨) ، وأبو داود (٣ / ٣١٧).