فالعبد يفعل ما يفعل بالحق لا بالنفس ، فمن فعل بالنفس ؛ وقع في العذاب الجسماني ؛ لأن النفس مضافة إلى الجسم الطبيعي ، ومن فعل بالنفس بالفتح ؛ وقع في الرحمة ، وفيه إشارة إلى ألا بد للعبد من معرفة حدّه ، فإنه إذا لم يعرف حدّه ؛ تجاوز إلى حده من قوله.
والكاذب لا يدخل مقام الصادق ؛ بل كلّما أراد ذلك ؛ ردّه يد الغيرة الإلهية إلى حدّه ؛ بل إلى أسفل منه ؛ لتركه الأدب مع الله تعالى.
قال تعالى : (كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها) [السجدة : ٢٠] ؛ ولذا قال صلىاللهعليهوسلم : «وليس بنافخ فيها أبدا» (١) : أي ما دام على حالته النفسانية.
إذ من كان في النار ؛ فهو لا يحيا ولا يموت ، فكيف يحي الغير ويميت ، وكذا من بقى في سجن الطبيعة ؛ فإنه لا يخرج منها أبدا إلا أن يخرجه الله منها كما قال : يخرجهم من الظلمات إلى النور ، فالأشخاص ظلمات ، والأرواح أنوار.
فإذا سرت الأرواح في الأشخاص ؛ كان كسريان الأنوار في الظلمات ، إلا أن يكون في البين حائل ؛ كالنفس الحائلة بين الأرواح والأشخاص ، وكالجبال والجدران الحائلة بين الأنوار والظلمات ، فليبك على نفسه من بقى في الظلمات النفسانية الجسمانية ، وليضحك وليفرح بفضل الله تعالى من خرج منها إلى الأنوار الروحانية الإلهية.
٢٧ ـ في حديث مسلم : «من فاتته صلاة العصر ؛ فكأنما وتر أهله وماله» (٢) :
يقال : فاته الأمر : أي ذهب عنه ، فمعنى فاتته الصلاة : فاتت عنه الصلاة بمعنى وقتها.
وفي رواية البخاري : «من ترك صلاة العصر» (٣) :
فدلّ على أن التفويت محمول على العمد ، إذ لا يترتّب الوعيد والخسارة على الخطأ والنسيان ، وإن كان يرد الخطاب بالعقاب يعني : إن من ترك العصر متعمدا ؛
__________________
(١) ذكره ابن حجر (١٠ / ٣٩٤) ، والزرقاني في شرحه (٤ / ٤٧٠).
(٢) رواه البخاري (١ / ٢٠٣) ، ومسلم (١ / ٤٣٥).
(٣) رواه البخاري (١ / ٢٠٣) ، والنسائي (١ / ١٥٣).