فكأنما كان موتور الأهل والمال : أي منقوصهما ومسلوبهما : أي كان كمن بقى بلا أهل ولا مال ؛ وهو خسارة عظيمة دنيوية ، وأعظم منها الخسارة الدينية الأخروية.
وفيه إشارة بالعمر إلى زمان كل واحد من أفراد الإنسان ؛ وهو أيام حياته المعدودة المقدّرة ، وبالصلاة إلى التوجه المعنوي ، والحضور القلبي الحاصل في العمر ، فمن فاته هذا المعنى ؛ كان كمن بقى بلا أهل ولا مال : أي بلا قوى روحانية ، وبلا أعضاء جسمانية ؛ فكأنه في صورة وسيرة غير صورة الإنسان وسيرته.
لأن المقصود الأصلي من الآلات ، والأسباب الخارجة ، والداخلة ؛ إنما تحصيل الكمال الإنساني المنوط بحال القلب ، فإذا فقد التحصيل ؛ فكأنما فقد الآلات ، فليبك على نفسه من ضاع عمره وعصره ، ولم يكن على طائل ، وفائدة من الصلاة ، والتوجّه ، والحضور الحاصلة لأهل الكمال الذين هم الإنسان الحقيقي.
أمّا غيرهم فهم الإنسان والحيواني ؛ بل هم أضلّ من الأنعام ؛ لأن الحيوان مهتد إلى ربه بما جبل عليه من التسبيح ، وله رتبة الفطرة حيث لم يتدّنس بشيء من المخالفة ؛ لكونه خارجا عن حدّ التكليف ، وحمل الأمانة ، فالإنسان منهم أسفل وأعلى ، فانظروا منهم الخاسر ، والرابح فاعرف.
دلّ على ما ذكرنا قوله تعالى : (وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) [العصر : ١ ، ٢].
وقد أقسم الله تعالى بالعصر مطلقا ؛ لشرفه العظيم ، وجعل من لم يعرف قدر العصر في خسارة ، فلا ربح إلا لمن آمن إيمانا حقيقيا عيانيا ، وعمل عملا صالحا يصلح للتّسبب للعروج إلى مواطن أهل الصلاح المطلق في علّيين ؛ بل إلى مساعد يبقى عندها العلّيون كأسفل درجات المرقّات ، وتواصى بالحق :
أي بشهوده في المشاهد ، والثبات على ما أراد الله تعالى في المعاهد ، وتواصى بالصبر على ستر الحال ، وكتم سر الغيب ، فإن ذلك الربح أيضا.
ألا ترى أن كل من أظهر البطون ؛ فقد أبطن الظهور ؛ بجعل نفسه عرضه للآفات والفناء (١) والهلاك.
__________________
(١) قال الشيخ أبو المواهب الشاذلي : قال الله تعالى : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ) [الرحمن : ٢٦].