لكونها مأخوذة من المرء ؛ وهو شخص آدم ، إذ كل أخذ لا يدل على التأخر عن المأخوذ منه ؛ بل قد يكون مقارنا له ، فسبحان من صور وجعل الأشياء أزواجا ، وجعل بينهم المودة والرحمة ؛ ليسكن بعضهم إلى بعض مع رجوعهم إلى أصل واحد.
قال صلىاللهعليهوسلم : «وقرة عيني في الصلاة» (١) : أي سرور قلبي ، وفرح روحي في حال الصلاة لا في إقامتها ؛ لأن مجرد الإقامة لا يستلزم السرور والراحة.
وقد قال صلىاللهعليهوسلم : «أرحنا بها يا بلال» (٢) أي : أذّن وأقم حتى ندخل في الصلاة المشروعة التي هي قرينة الزكاة فنستريح ؛ لأن الصلاة حظ القلب ، وفيها ذوق المكاشفة والمساهمة ؛ ولذا حرص النبي صلىاللهعليهوسلم على مرتبة الإحسان ، ولو كان أدناه ؛ وهو شهود الخيال ، فمن لا شهود له في الصلاة ، ولو في الجملة ؛ كان ساقطا عن رتبة المناجين ، فظهر أن الصلاة من الأمور الأخروية ، وإن كانت حاصلة في الدنيا على أنها تحتاج في الظاهر إلى حركات الأعضاء ؛ وهي من الدنيا ، وعالم الشهادة ، وإن كانت باعتبار التوجه القلبي ونحوه من الأمور الدينية ، وعالم الملكوت (٣).
__________________
(١) رواه النسائي (٥ / ٢٨٠) ، وأحمد (٣ / ٢٨٥).
(٢) رواه أبو داود (٤ / ٢٩٦) ، والطبراني في الكبير (٦ / ٢٧٧).
(٣) قال الحكيم الترمذي : وأمّا علة الصلاة : فإن القيام تسليم النفس إلى الله تعالى لأنه لمّا أغفل جواره انتشرت في شهواتها ومناها بما لم يؤذن لها فيه ، فجاء بها ليجدّد تسليما ؛ لأن الإسلام هو قبول العبد من ربه ـ تعالى ـ العبودية ، وتسليم النفس إليه طواعية له فيما أمر به حفظ العبودية.
وهي ميثاقه الذي واثقه به ، وواثق به جوارحه السبع وهي : السمع ، والبصر ، واللسان ، والبطن ، والفرج ، واليد ، والرّجل ؛ ولذلك سمي نبذة بالأعجمي ؛ لأنه أوثقه عمّا حرّم عليه ، وأمره مع ذلك بأداء الفرائض.
فلما قبل العقد هذا من ربه ، كان قد سلم نفسه إليه : فهو الإسلام ، ثم اقتصاه الوفاء بذلك إلى انقضاء أجله ، فلمّا مرّ في شهواته فيما لا يحل له ؛ احتاج إلى أن يجدّد التسليم ، كما أنه لو نقض الأصل فارتد إلى شهوة عبادة الأوثان ؛ احتاج إلى أن يجدّد الإسلام ، فكذلك لّما ارتدّ إلى شهوة المعاصي ؛ احتاج إلى أن يجدّد تسليم النفس طواعية له ، فجاء مصليا ، والتصلية تذل النفس.