الدنيا ؛ كالنساء والطيب ؛ هو ما له رائحة طيبة ، وإنما حبب الطيب إليه صلىاللهعليهوسلم ؛ لأن فيه ذوق الأنس والمفاخرة ؛ وهو حظ الروح ، وظهر منه أن غير الطيب حظ النفس ، والأنبياء والأولياء معصومون محفوظون عمّا لا يستطاب ؛ لأن نفوسهم طيبة طاهرة ؛ ولذا كانت الطيبات للطيبين ، والخبيثات للخبيثين ، فطوبى للطيبين ، والغبطة لأخلاقهم الطيبة ، وويل للخبيثين والنفرة عن أوصافهم الذميمة.
وجه التحبيب في النساء : إن فيهنّ ذوق القربة والوصلة ، وإن كنّ من حيث الظاهر حظ الجسم ، فما كل ما هو من حظ الجسم ساقطا عن درجة الاعتبار بالنسبة إلى الأرواح العالية ، فربما يكون للشيء وجهان يختلف باعتبارهما.
ألا ترى أن الله تعالى جعل النساء من الشهوات في قوله : (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ) [آل عمران : ١٤] ، وقدمهنّ على ما عداهنّ ؛ لأنهنّ من شهوات نفسانية بالنسبة إلى النفوس الخبيثة ، وشهوات حقانية بالنسبة إلى النفوس الطيبة.
لأن يقال : نور المحبة ، ثم نار العشق ، ثم حرارة الشهوة ؛ فيه إشارة إلى أن حقيقة حرارة الشهوة الحقانية ؛ إنما تظهر بعد ظهور نار العشق الحقيقي ، فمن لم يكن عاشقا ؛ لم يكن أهل شهوة حقيقية.
ولا شك أن نبينا صلىاللهعليهوسلم رئيس المحبين ، وسلطان العاشقين ؛ ولذا أعطاه الله قوة أربعين نبيا ، ولذا كان لا يشبع من النساء على ما ورد في بعض الأحاديث.
ومن عجائب المقام : إن حروف النساء حروف الناس ، فزين أحدهما للآخر ؛ لأنه ليس هنا إلا ذكورة وأنوثة ونتيجة ، والأنوثة مستنبطة من الذكورة ، كما أن النتيجة مستفادة منهما ، والشيء يحنّ إلى جزئه وجنسه لا محالة ، فإذا كان التزيين من الله من حيث اسمه الجميل ؛ كانت الشهوة حقيقية ، وإذا كان منه من حيث الجليل ؛ كان نفسانية ؛ لأنه امتحان محض يجب التحرز عنه ، ولم يقل : (والمرأة) بدل (والنساء) ؛ لأن النسء بمعنى التأخير ، ووجود حواء متأخر عن وجود آدم تأخر القابلية عن الفاعلية.
ولفظ المرأة لا يدل على هذا ، وإن كان يقال في وجه التسمية بالمرأة : إن ذلك