__________________
ـ تعالى ببصيرته فيه ، أو عنده أو معه كما هو حال أهل التوسط الذين يرون الله في الأشياء ، أو عندها أو معها ويقولون : ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله فيه أو عنده أو معه أو يشهده قبله ، كما هو حال أهل الشهود والعيان الذين يرون الأشياء بالله ، ويقولون : ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله قبله أو يشهده بعده ، كما هو حال أهل الدليل والبرهان الذين يرون الله بالأشياء ، ويقولون : ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله بعده ، كان معدودا من أهل الظلام ، محجوبا عن الله تعالى بسحب الكون أو الجهل والغفلة والآثام ، ومن شهده في كل شيء أو عنده أو معه أو قبله أو بعده أو فيه ، وعنده ومعه وقبله وبعده كان من أهل الأنوار ، وممن لم تنحجب عنهم شموس المعرفة بسحب الآثار ، ومن زال عنه الوهم والعناء ، وكان في مقام المحو والفناء ، وغلب عليه شهود الوجود الحق الحقيقي ، الذي به كل شيء موجود يرى الله وحده ، ولذا ينفي ما عداه ، ولا يثبت شيئا سواه ، ويقول : ما رأيت شيئا سوى الله.
ومن قول بعضهم في الدار غيره ديار وقول آخر سوى الله والله ما في الوجود ويقول عما سواه أنه ظل ، وأنه خيال ، وأنه سراب ، وأنه هالك ، وأنه مضمحل زائل أو لا وجود له أصلا ، وهو صادق في ذلك كله ؛ لأن وجود ما سوى الحق إنما هو بالفرض والتقدير ، أو الوهم والتخييل ، والوجود الحق الحقيقي إنما هو وجوده تعالى ، ووجود ما عداه بوجوده لا بوجود آخر ، مما عداه ليس له من نفسه وجود أصلا ، فهو بالنظر إلى نفسه عدم صرف ، وبالنظر إلى إشراق شعاع الوجود المطلق عليه كالظل له تابع له ، والتحقق بهذا المعنى هو زبدة التوحيد ، وعمدة أهل التفريد ، وفي ذلك يقول قائلهم :
الله قل وذر الوجود وما حوى |
|
إن كنت مرتادا بلوغ الكمال |
فالكل دون الله إن حققته |
|
عدم على التفصيل والإجمال |
واعلم بأنك والعوالم كلها |
|
لولاه في محو وفي اضمحلال |
من لا وجود لذاته من ذاته |
|
فوجوده لولاه عين محال |
فالعارفون فنوا ولما يشهدوا |
|
شيئا سوى المتكبر المتعال |
ورأوا سواه على الحقيقة هالكا |
|
في الحال والماضي والاستقبال |
وقد حكي عن الصديق رضي الله عنه أنه كان يقول ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله قبله.
وعن عمر رضي الله عنه أنه كان يقول : ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله بعده.
وعن عثمان رضي الله عنه أنه كان يقول : ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله معه.