طالع حضرة الشيخ حاشية على تفسير الفاتحة التي نسختها من نسخته المباركة ، ثم قال بطريق الملاطفة : شددوني وضربوني مائة سوط ؛ فإن الله تعالى أنعم عليّ بمثل هذه النعمة الجليلة ، وأنا على كفران نعمة.
قلت : إن وقع ذلك فقد ذكركم الله نعمة السابقة ، فقال : أستغفر الله من الكفران والعصيان.
قال : إن السالك لا يخلو من إجمال وتفصيل إلى آخر عمره ، وحقيقة التفصيل تظهر عند احتضاره ثم هذا التفصيل إجمال بالنسبة إلى التفصيل البرزخي وهو إجمال بالنسبة إلى التفسير البرزخي وهو إجمال بالنسبة إلى التفصيل الكشفي الذي يظهر عند الرؤية ثم لا نهاية للتفصيل.
شكوت إلى حضرة الشيخ من أخلاق النفس ، قال : لا يتخلص العبد من الانقباض من أخلاق النفس إلا في مرتبة الأحدية الذاتية ؛ فإن فلكها واسع وإحاطتها كاملة وعندها ينجلي قوله تعالى : (وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) [البقرة : ٢٤٧] ، وكلّ خير وشرّ تعين في جميع التعينات إلى أن ينزل إلى تعين جنانه أو لسانه أو أعضائه فيظهر الفكر والذكر والفعل فأصحاب تلك الرتبة الأحدية بدون ذلك ولا يتأذون في صورة الشر ؛ لأنه أمر فاش من استعداده خارج من كيس تعينه ، والله تعالى لا يتأذى أصلا ، وهو أصبر على أذى يسمعه فكذا من ذاق من مشرب المرتبة المذكورة ، وأما مرتبة الواحدية الصفاتية فليست في الإحاطة كالأولى.
قال : إن حقيقة الإسلام أمر مشكل صعب لا يتحقق به إلا الأفراد فلا تعجل إذا كان إيمان بأرباب هذا الشأن ؛ فإن الله تعالى لما عجل في إظهار وجودك في هذا النشأة وكل أمره تدريجي فترقب المقصود ولو بعد حين ويلزم عليك الآن حسن الاعتقاد في الباطن والقيام والصيام في الظاهر فوظيفة الظاهر التعبد بأحكام الشريعة ووظيفة الباطن قطع الميل إلى ما سوى الله ، وعند وقوع زيغ أو ذلة يلزم الاستغفار.
قال حضرة الشيخ : إن الله أيدني فلم يصدر مني ما يخالف ظاهر الشرع مع غلبة الحال المحرقة سنين ، ثم قرأ قوله عليهالسلام : «إن الله أدبني فأحسن تأديبي» (١).
__________________
(١) ذكره العجلوني في كشف الخفاء (١ / ٧٢).