أن سيئاتهم غالبة على حسناتهم والحكم للغالب في الفريقين فظهر أنهم مشتركون في فعل السيئة ولو بحسب مراتبهم ، ولا يرتفع ذلك الابتلاء عنهم ، ولذا قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لعليّ رضي الله عنه :
«يا عليّ ، إذا عملت سيئة فاعمل بجنبها حسنة» (١) لما أنه مقتضى اسم الغفور.
وقد كان عليهالسلام يعلم أنه يعمل السيئة ، ولو في بعض الأحيان ، ولو بحسب الفكر ، ولذا وصى بالحسنة ، وإنما قلنا بحسب الفكر ؛ لأن ما يدور في جنان أرباب العزيمة مأخوذ به.
ثم قال : والحاصل أن توارد الليل والنهار إشارة إلى توارد السيئة والحسنة فكما أن الدنيا لا تبقى على الليل وحده أو النهار وحده بل هما على التعاقب دائما فكذا العبد المؤمن لا يخلو من نور العمل الصالح وظلمة العمل الفاسد والفكر الفاسد فإذا كان يوم القيامة يلقي الله الليل في جهنم والنهار في الجنة ، فلا يكون في الجنة ليل كما لا يكون في النار نهار. يعني أن النهار في الجنة هو نور إيمان المؤمن ونور عمله الصالح بحسب مرتبته ، والليل في النار هو ظلمة كفر الكافر وظلمة عمله الفاسد فكما أن الكفر لا يكون إيمانا فكذا الليل لا يكون نهارا ، والنار لا تكون نورا فيبقى كلّ من أهل النور ، والنار على صفته الغالبة عليه ، وأما القلب وحاله بحسب التجلي فهو على عكس الحال الغالب ؛ فإن نهاره المعنوي لا يتعاقب عليه الليل ، وإن كان يطرأ عليه استناد في بعض الأوقات.
قال حضرة الشيخ : في قوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) [الأنفال : ٢٤] : إن من حيلولته تعالى بين المرء وقلبه أن يحب بعض العباد الشغل بالعلم والمعرفة وغيرهما وبعضهم الشغل بخلاف ذلك ولو عرض على أحدهما شغل الآخر لتنفر وأعرض ، وقلب المرء بين أصبع من أصابع الرحمن.
قال حضرة الشيخ : أنا في عالم الغربة عند ست سنين ، قلت : ورد فطوبى للغرباء ، قال : من هو في عالم الغربة كمن بقي وحده في البحر المحيط ، وإلى هذه المرتبة أشار عليهالسلام : «كنت يتيما في الصغر ، وغريبا في الكبر» (٢).
__________________
(١) رواه الطبراني في الكبير (٢٠ / ١٧٥) ، بنحوه عن معاذ.
(٢) لم أقف عليه.