وجاء إلى حضرة الشيخ واحد من الأطفال بخبرين فلاطفه ، وقال : إن الطفل قريب العهد إلى عالم الذات ، وفيه رائحة ذلك العالم ، ولذلك يستأنس به الشيوخ ، وينزلون إلى مرتبته في التكلم وغيره.
جمع حضرة الشيخ الصوفية ، وهم أربعة أنفار غير ولده السيد مصطفى والفقير ؛ فقال : اعلموا أن أول من ابتلى بالاحتلام أبونا آدم عليهالسلام فإذا وقع لأحد منكم فاغتسلوا تحت هذه الغرفة في المحل المهيأ للوضوء والاغتسال ، ولا تستحيوا ، وارفعوا التكلف من البين في الدخول والخروج ؛ فإني لا أرضى بغير ذلك ، أقول : إن روح الله روحه تنزل نفسه في أواخر عمره منزلة واحد من الناس ـ يعني : عند أتباعه ـ فلذا رفع الكلفة بل الخدمة ؛ فإنه كان لا يستعين أحدا في وضوئه أصلا.
قال حضرة الشيخ : إن عالم الفناء عالم القدس ، والتجرد بخلاف الرد إلى البقاء ؛ فإن الله تعالى يبتلي صاحبه بما يبتلي به أصحاب الطبيعة ، والنفس لكنه على اليقظة والعرفان وأصحابهما على الغفلة والجهل يعني : أن المردود إلى البقاء وإن كان مبتلى بأنواع البلايا لكنه على الله مع الله ، فلا يعتريه جزع ونحوه بل يحمد على النعمة والمحنة ويستغفر عند الذلة بخلاف غيره من الباقين في الفرق الأول ، ثم قال : كما أن الوجود لله تعالى حال الفناء فكذا حال البقاء ، وإن كان مضافا إلى العبد صورة ألا ترى أن من ركب دابة ، فقد يقال : إن له دابة لكن ليس له دابة فكما أنه مسلوب عنه تلك الإضافة حال عدم الركوب ، فكذا في حال الركوب وهذا من مزالق الأقدام ، قلت : هل ترفع الانقباض من أخلاق النفس؟ قال : لا ولو كان نبيّا ؛ فإن الله تعالى لا يدع العبد في الدنيا على يد واحدة وهي الجمال الصرف ، وإنما يكون ذلك في الجنة إذ الابتلاء يرتفع هناك ، وكل ورد التزم يحتمل السقوط إلا ورد الاستغفار ؛ فإنه باق إلى آخر العمر بمكان الابتلاء بالمجاهدة ما دام حيا ولو عين رسول الله صلىاللهعليهوسلم الاستغفار كل يوم مرة وعرف أنه يستغفر ربه كل يوم هذا العدد ، قال : ومن هذا ظهر أن الاستغفار ليس في ترتيب الأسماء السبعة لعدم خلو كل مقام عنه ولو كان فيه بخلاف نفسه عن بعض المقامات وليس كذلك.
قال حضرة الشيخ : قوله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) [القارعة : ٦] إشارة إلى أهل اليقظة حسناتهم غالبة على سيئاتهم.
وقوله تعالى : (وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ) [القارعة : ٨] إشارة إلى أهل الغفلة لما