فإنه قد مس يدكم المباركة التي حرمها الله على النار ؛ فقال ما قال ، والحمد لله الملك المتعال أقول : ذلك المسواك الشريف النظيف عندي الآن جعلت عليه علامة ليجعل في كفني ، قال في «الأسرار المحمدية» : لو وضع شعر رسول الله صلىاللهعليهوسلم أو عصاه أو سوطه على قبر عاص لنجا ذلك المذنب ببركات تلك الزخيرة من العذاب ، وإن كان في دار إنسان أو بلدة لا يصيب سكانها بلاء ببركاتها ، وإن لم يشعروا به ومن هذا القبيل ماء زمزم والكفن المبلول به وبطانة أستار الكعبة والتكفن فيها.
قال الإمام الغزالي : إذا أردت مثالا في الخارج ؛ فاعلم أن كل من أطاع سلطانا وعظم ، فإذا دخل بلدته ورأى فيها سهما أو سوطا له ، فإنه يعظم تلك البلدة وأهلها فالملائكة يعظمون النبي عليهالسلام فإذا رأوا زخائره في دار أو بلدة أو قرية عظموا صاحبه ، وخفضوا عنه العذاب ، ولذلك السبب ينفع الموتى بوضع المصاحف على قبورهم ، ويتلى عليهم القرآن ويكتب القرآن على القراطيس ، وتوضع في أيدي الموتى انتهى.
قال حضرة الشيخ : العلم في قوله تعالى : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) [فاطر : ٢٨].
وفي قوله عليهالسلام : «العلماء ورثة الأنبياء» (١) مصروف إلى الفرد الكامل ، وهو علم الشريعة والحقيقة معا ؛ فإن حقيقة الخشية وحقيقة الوراثة إنما تحصل من جمع بين العلمين فهو العالم حقيقة ومن سواه من علوم الرسوم عالم صورة ، والعالم الحقيقي يرى جميع ما في الكون كأعضاء بدنه فلا يقصده بسوء ولا يحسده ؛ لأن المرء لا يرضى أن يعرضه آفة على عضو من أعضائه ، وأن يزول نعمته ، والعالم الصوري ليس كذلك.
وعظ حضرة الشيخ في جامع السلطان با يزيد الواقع في القسطنطينية فحقق قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ) [التوبة : ١١] ، ورغّب الناس إلى الجهاد ترغيبا بليغا ، وقال : إن الله تعالى جعل ذاته مشتريا ، وعباده المؤمنين لا الكافرين بائعين ، والأنفس والأموال سلعة بيعه والجنة ثمنا ، ووعد وهو لا يخلف وعده كما قال تعالى : (وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ) [التوبة : ١١١] ولا كلام فيه ، وإنما الكلام في وفاء العباد ؛ فإنهم قبلوا هذا العقد في عالم الأزل والأرواح ثم نقض من نقضه.
__________________
(١) رواه أبو داود (٣ / ٣١٧) ، والترمذي (٥ / ٤٨) ، وابن ماجه (١ / ٨١).