قلت : حفظني الله تعالى من عنفوان عمري عن إنكار شيء من أقوالكم وأفعالكم ؛ فإنه قيل : كل ما يصدر عن الواصل فهو شريعة ، فاعتقادي على أن كل ما يصدر منكم فهو شريعة جديدة ، قال تعالى : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) [المائدة : ٤٩] وكيف لا نقبل هذه الشريعة الجديدة؟ وقد فضّلنا الله بإرسالكم إلينا ، فتبسم حضرة الشيخ ، وقال : أنت من هذه الطريقة على حقيقة فلا نكتم منك شيئا.
قلت : كلامكم معي من تربيتي فيجوز أن تكتموا ما فوقها ، وهو مرتبتكم ، فتبسم أيضا ، وقال : الواصل هو الحاصل عند الله ، وهو حقيقة الوصول وكل سالك إنما يتصور مرتبة الوصلة بقدر معرفته وحاله واستعداده ، وأمن له فوت ذلك ؛ فإن معنى الحصول لا يعرفه إلا من تحقق بهذه الرتبة ، وكثير من السلاك يحل له العلم والعرفان ، ولكن التحقق بالمقامات أمر آخر لا يتيسر إلا لواحد بعد واحد والمقصود هو المعرفة لا مجرد المعرفة.
قال حضرة الشيخ : الإيمان هو الله تعالى ؛ لأنه اسم ، وقد أعلم الله في هذا الشتاء كفري على الحقيقة.
قلت : هذا الكفر مما يغبط به أهل الإيمان قال الله سبحانه وتعالى :
(فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ) [البقرة : ٢٥٦] فتبسم ، وقال : إن مرتبة الصلاح مرتبة عظمى ألا ترى إلى قوله تعالى : (وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) [الأعراف : ١٩٦].
قال حضرة الشيخ : لا يزول الابتلاء ما دام الإنسان في عالم الإمكان قال تعالى : (وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ) [الأعراف : ١٦٨] فكما أن الإمكان لا يزول فكذا الابتلاء لكن محله الدنيا فالإمكان لا يزول عن الممكن ولو كان في الجنة إلا أنه لا ابتلاء فيها ، فباطن الإنسان الكامل وإن كان على سير غير سير العوام لكنه في الظاهر دائرتهم ، فلذا يبتلى بما ابتلوا به من الأمراض والأوجاع والموت والحشر.
جاء حضرة الشيخ إلى حجرتي التي عينها لي في داره العالية ، فجرى ما جرى من الصحبة ، ثم قال : هل لك مسواك؟ قلت : نعم ، قال : إن لم يكن لك مسواك أعطيتك مسواكا رقيقا لطيفا يناسب ظرافتك ولطافتك ؛ فإني أستعمل غليظا.
قلت : أعطوني فإني أتبرك به بل أوصى بأن يجعل في كفني بعد وفاتي تبركا ؛