قلت : أنا لا أطلب الاستقلال في الدنيا والآخرة ، ويكفي لي شرفا أن أكون تحت لوائكم ، قال : إن الاستقلال مخصوص بالله تعالى ، والشرف في الاتباع ، ولا زمان بدايتي اشتغل به الآن ، وأنا الآن كما كنت في خدمته قبل ، قال : الاعتقاد أمر عظيم حتى أن المرء يعرف الله ولا يعرف البشر ، ومن سبّ الله تعالى ربما تقبل توبته ولا يقبل توبة من سبّ النبي عليهالسلام ، والله تعالى يعرف بوساطة دلالة الأنبياء والأولياء ، وحقيقتهم لا تعرف إلا بعد الوصول إلى الله ، ثم قال : من عرف نفسه فقد عرف ربه ، ناظر إلى الصورة والظاهر ، وأمّا في الحقيقة فمن عرف ربه عرف نفسه إذ لا يعرف النفس إلا بعد معرفة الله.
قال : إن الله إنما ستر الأولياء وحجبهم عن أبصار الخلق رحمة منه لهم ، إذ لو عرفوهم لوجب عليهم الاعتقاد والإقرار والاتباع بهم ، وعلى تقدير عدم القبول يلزم الهلاك ففي كونهم محجوبين عنهم رحمة لهم.
قال حضرة الشيخ : هل لك حضور في بروسة وأنس بأهلها؟.
قلت : كان في اعتقادي أن أموت فيها ، ولا يقع هجرة أخرى ، وقد أذنتم في المهاجرة إلى المدينة أو مكة ـ شرفها الله تعالى ـ قال : ليكن القسطنطينة وبروسة وغيرها للخلائق ، واجتهد ألا يكون لك أنس بغير الله ، وليكن نظرك إلى هنا ، وأشار إلى صدره المنشرح ؛ فإن ألهمك الله الإقامة فأقم وإلا فهاجر ؛ فإن العمل في الطريقة بالإلهام والاستخارة لا بوساوس النفس الأمّارة.
قلت لحضرة الشيخ : لم يبق لي ابتلاء غير المرأة وسوء خلقها ، وأنا لا أريد أن أخلو عن الابتلاء بالمرأة ؛ فإنه من باب التربية ، قال : نعم فاصبر ؛ فإن الصبر مفتاح الفرج.
قلت : فقد انقطع عني داعية التأهل منذ ما قلتم في السنة الماضية اختر التجرد أن تحب أهلك.
قال : ذلك من فضل الله حيث وفقك الله لقطع التعلقات ، وجذبك بجذبات العناية ، فأنت غالب على شهوتك ، وهو مراد الله تعالى.
قال حضرة الشيخ : إنكار العوام للأولياء كالشرك الجلي ، وإنكار الخواص ـ يعني : أتباع المشايخ ـ كالشرك الخفي والاجتناب واجب عن كل منها ، ولا يصدر مني إلا ما يتعلق بمرتبة كل أحد ؛ فإن بعضه من بعض في صدر أتباعنا ، غلب عليه إنكار لنا ، فلذا وجب السر.