الزيارة الخامسة
سببها أن حضرة الشيخ دعاني على العجلة إلى جنابه ، وذلك في أوائل جمادى الآخرة لسنة مائة وألف ؛ فلما قدمت وجدته قد ذهب إلى جامع السلطان سليم للوعظ والتذكير فوقفت عند الباب حتى جاء ؛ فقبّلت يده التي هي يمين الله ، ثم صلى العصر وسألني عن الشيخ إبراهيم خليفة في قصبة بوداينه ، فقلت : إنه مات مقتولا في محاربة حسين باشا مع كدك باشا في الجبل الذي وراء بروسة ، فأشار بيده إلى أن كونه مقتولا قد كنت رأيت على اللوح الأزلي ، ثم قال : قد حملني على دعوتك الاشتياق إليك ، ولكن إنما أحبك حقيقة إن كسرت صنمك ثم كسر الله صنمك ثم تبسم ، وقال : هلا تدعوني بهذا الدعاء أيضا ، قرأ قوله تعالى : (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) [إبراهيم : ٣٥].
قال حضرة الشيخ : لا ينبغي في ديارنا أكل السخلة قبل إدراك الموسم الذي يقال له : روز خضر ؛ لأن لها مع أمها علاقة كلية فذبحها قبل وقتها قبيح.
وسئل عن حضرة الشيخ هل يحل أكل حرام يتبدل وصفه؟.
قال : إن تبدل الوصف وإن كان في تبدل العين في الفتوى ، فإذا يحل أكله لكن عند التقوى خبيث ؛ لأن تبدل الخبيث خبيث.
وسئل أيضا : إن التكاليف السلطانية التي يأخذونها من الناس هل تقع موقع الزكاة إذا نواها أصحابها؟ قال : إن كان بطريق الكره والغصب كما في زماننا يصرفون إلى من ليس بمستحق له.
قال حضرة الشيخ : هل لك علاقة من بروسة أم أنت بائن منها؟
قلت : أسعى في البينونة والفراق عن كل شيء سوى الله تعالى ، قال : كن هكذا وليكن علاقتك صوري بحسب الاقتضاء.
قرأ حضرة الشيخ قوله تعالى : (فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ) [النحل : ١١٣] ونرجو منه تعالى أن ينزعه ، ويلبس لباس الأمر.
أقول : وجهه ، وقع القحط في القسطنطينية سنين ثم رفعه الله ، ووقع استيلاء الكفار على البلاد الرومية فلم يندفع إلى هذا الجمع.
قال حضرة الشيخ : أنا راض عنك أشد الرضا منذ قدمت إلى بلدة بروسة ؛ لأنك اخترت طريق الفقر وتركت الترفه والتنعم ، وطريقتنا هذه ليست طريقة الزينة