من الاضطراب فيعود إن شاء الله إلى السكون ويكون عاقبتك خيرا.
عرضت على حضرة
الشيخ بعد طعام العشاء قدومه الشريف إلى مدينة بروسة ؛ فقال : لا ، لا والنفس ،
وإن كانت تأمل ذلك وتحتظ منه إلا أنه ليس من حظ الروح وإلى الآن لا يقدم لي إلا
الإقامة في داري وقد حصل لي ملال من الخروج ؛ فقلت : أحبابكم منتظرون ، فتبسم ،
وقال : من الأحباب فاتهم ؛ لأنه واحد لا اعتبار لهم ، ثم قرأ قول حضرة الهدائي في
بعض الإلهيات التركية [...] فقلت : كلامهم حق ، فإن أهالي بروسة وإن كانوا على
محبة في الظاهر لكن ليس في هذا الزمان قابل الألفة والاختلاط ، فقال : منتقلا إلى
أسلوب أخر : لا نرجو الألفة والأنس من الخارج ؛ فإنها لا تفني شيء بل تضمحل جميعا
، واجتهد أن تجد ذلك في نفسك ؛ فإن من وجد ذاته واستأنس به لم يبق له حاجة إلى
الخارج أصلا بل يفنى عن السموات والأرض وما فيها ألا ترى إلى قوله عليهالسلام : «إن
الله اتخذني خليلا» وهو في الحقيقة اتخاذ ذاته في ذاته خليلا ووجد أن ذلك
الحضور في باطنه.
سأل حضرة الشيخ
عن الأولاد ، وقال : لم لم تجيء بولدك إسحاق؟
فقلت : إن
والدته تمنعني من ذلك لصغره ولأنها لها علاقة به ، ولقد كان لي علاقة بابنة لي ،
وكان يخطر ببالي إلى أن رأيت الانكسار من كل وجه ، ووجدت كل ألم في الدنيا غير ألم
موت الأولاد وانكساره ، فماتت تلك البنت أيام هذه الخاطرة ، فوجدت منه ما وجدت ،
فقال : تلك الخاطرة كانت من الرحمن ؛ فإنه يحرك القلب ويفيض إليه أشياء ، ويصدقه
بعد ذلك وله الحكم في كل أمر.
قال
حضرة الشيخ : الطريق الأسلم هو أن تحسن الظن إلى كل أحد ، فإن كنت صادقا فهو صادق ،
وإن كان كاذبا فقد نجوت أيضا وهلك هو.
قال
حضرة الشيخ : الوصول في هذه الطريق لا يحصل إلا بالإخلاص ثم قرأ قوله تعالى : (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ) [الزمر : ٣] ، قال : ابن الوقت لا بدّ له أن يلازم وقته ولا ينظر إلى ما
بين يديه وما خلفه ، والسالك وإن كان يلاحظ التحرز عن كل شيء ولكن لا بد له من وقت
في المستقبل فما دام لم يجئ وأنه لا يتخلص عن الاضطراب فالاضطراب واقع ، ولكن
السكون مرهون بوقته لا يحصل قبله وإن قاسى كل شدة فإذا كان بالوقت فله التصرف في
كل شيء والزمان تابع له حينئذ ،
__________________