الزيارة الرابعة
الزيارة في شوال من سنة تسع وتسعين لما دخلت السفينة من قصبة «مدانية» غلبني القيء ، فعرفت أن زيارة حضرة الشيخ كما أنها سبب لزوال الأمراض الباطنة ، كذلك سبب لزوال الأمراض الظاهرة ؛ لأنه يحصل لي من قيء الصفراء المجتمعة على خفة بدن واعتدال مزاج.
ولما دخلت على حضرة الشيخ وذلك وقت تهيئة للجمعة قبيل الزوال عامل معاملة جميلة وذهبت معه إلى جامع السلطان سليم ، فلما خلع نعليه عند باب الجامع أخذهما بيديه ورفعهما ووضعهما تحت الكرسي ، وذلك من دأبه في أكثر الأيام فأشار به إلى أمور.
الأول : أنه فعل ذلك توصفا كما فعل مثل هذا رسول الله صلىاللهعليهوسلم على ما هو اللائق بخلقه العظيم.
والثاني : إرشاد في رفع الكبر.
الثالث : تربية لمن خلفه من الصوفية فكان ذلك صورة غضب لما أن بعضهم تحادثوا خلفه ولم يك ذلك من الآداب ، ولما جلس مجلس الوعظ قال عند قوله تعالى :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) [الأنفال : ١٥] : إن المراد هو الإيمان المطلق سواء كان رسميا بيانيا أو شهوديا عيانيا.
فالأول : إيمان أهل الشريعة.
والثاني : إيمان أهل الحقيقة ، وكلاهما معتبر مقبول يمنع لصاحبه عن الهالك.
وقال أيضا : القيام الصلاتي إشارة إلى التقدير الأزلي ، وهو التفويض والركوع إشارة إلى التدبير الأبدي ، وهو التسليم والسجدة إشارة إلى الفناء الكلي عنهما إذ كما لا بد من التخلق بمثل هذه الصفات لا بد من الفناء عنها.
دعاني حضرة الشيخ يوم السبت قبل الظهر إلى بيته الفوقاني ، فسأل عن أحوالي فأظهرت الشكاية عن ضعف البدن وبعض الموانع الصورية ؛ فقال : إن هذا حكم الوقت ، والشيء إذا ثبت ثبت بلوازمه ، وكل ذلك من لوازم ذلك.
ثم قال : اجتهد في طريق الحق حق الاجتهاد ، وقل كما قال يوسف عليهالسلام : (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) [يوسف : ٣٣].
وكن يوسف ثانيا ؛ فإن تفرقك سبب لانتظامك وجمعيتك ، وما دبّر الله لك