بالإضافة إليها إذ لا حائل في البين وحجاب بالنسبة إلى غيرها لكونه مانعا عن رؤية وجهها وبرداء الكبرياء هو العبد ، وهي الحقيقة المحمدية التي هي حقيقة الحقائق ، ولكل موجود حصة من تلك الحقيقة بقدر قابليته لكنها في نفسها حقيقة واحدة إذ الواحد لا يصد عنه إلا واحد ، وهي الوجود العام الشامل والهوية السارية في جميع الموجودات كالحيوان الناطق ؛ فإنه معنى واحد عام شامل لجميع أفراد الإنسان ، وكثرته بالنسبة إلى الأفراد لا تنافي وحدته الحقيقية وبالاستثناء في قوله عليهالسلام :
«وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء على وجهه» صورة إنتاج تفيض المقدم على تقدير استثناء نقيض التالي ؛ فمعناه إلا رداء : الكبرياء إن كان ذلك حجابا لكنه ليس بحجاب فما بينهم وبين النظر حجاب أصلا أي : لا حقيقة كل منهم التي تجلى الذات فيها بحسب صفاء مرآتها ومعرفتها وتلك حقيقة ليست بحجاب بين القوم وبين الذات الأحدية إذ ما وراء تلك الحقيقة مع قطع النظر عن التجلي فيها وكونها مرآة له إطلاق صرف لا يتعلق به رؤية راء أيّا كان فكل ناظر ينكشف له جمال الذات من حقيقة ينظر إليه من تلك الحقيقة ، وهي ليست بحجاب للنظر ولا للذات إذ هي كالمرآة للناظر فالنظر الظاهري قيد تام ، وما وراء تلك الحقيقة من الذات إطلاق بحت فلا مناسبة بينهما بوجه من الوجوه ، وتلك الحقيقة بين التقييد والإطلاق برزخ جامع لها كما قال عليهالسلام :
«من عرف نفسه فقد عرف ربه» (١) فالعارف إذا لم يتعلق عرفانه بنفسه الكلية وحقيقته الجامعة لا يتأتى منه عرفان ربه ؛ لأن ربه مطلق عن القيود والنسب ، والإضافات ، وهو بهذا الاعتبار لا تتعلق به المعرفة.
وأمّا نفسه المتجلي فيها الرب بحقائق أسمائه فيتعلق بها تلك الرؤية من حيثية التجلي ، فيكون حقيقة نفسه ومعرفتها مرآة ربه ومعرفته هذا ، وإنما غلط من غلط بقياس الغائب على الشاهد ، وهو ممنوع باطل إذ فرق بين الملك والملكوت ، وكذا بين الملكوت والجبروت واللاهوت والكبرياء رداؤه الذي يلهمه عقول العلماء بالله أي للتفهيم لا لمعنى آخر ، فلا رداء هناك حقيقة ، والعجب أن مثل هذا الإطلاق التشبيهي كثير في القرآن والحديث ، وقد فهمه العرب بسليقتهم ولم يترددوا في ذلك أصلا ، ثم إن أهل الاعتزال قالوا لعمي بصيرتهم وسوء فهمهم ما قالوا ، فأولئك هم المحرومون من الجمال الحقيقي إلا أنهم في مرية من لقاء ربهم.
__________________
(١) رواه أبو نعيم في الحلية (١٠ / ٢٠٨).