فقلت : يرد عليه ما وقع ليلة المعراج ؛ فقال : إن حبيب الله عليهالسلام رأى ربه في تلك الليلة بالسر والروح في صورة الجسم هناك ؛ لأنه تجاوز في سيره من عالم الأجسام كلها بل من عالم الأرواح حتى وصل إلى عالم الأمر ، فقلت : يرد أن الأنبياء والأولياء مشتركون في الرؤية بالبصيرة حالة الفناء فلا فرق إذا بين موسى عليهالسلام ومحمد عليهالسلام فأي فائدة في قوله تعالى : (لَنْ تَرانِي) [الأعراف : ١٤٣].
وأيضا في عروجه عليهالسلام إلى ما فوق العرش ؛ فإن تلك الرؤية تحصل في مقام العينية والقلبية لا في الغيرية والقالبية ؛ فقال : إن أمر الرؤية وإن كان محتاجا إلى الانسلاخ التام عن الأكوان مطلقا إلا أن الانسلاخ بالقلب والقالب مختص بنبينا عليهالسلام ؛ لأن موسى عليهالسلام لو رأى ربه بالانسلاخ رأى وقالبه في عالم العناصر ، وأمّا محمد عليهالسلام فقد تجاوز بالقلب والقالب عن عالم العناصر ، ثم من عالم الطبيعة فأنى يكون هذا الخيرة ، وفي هذا المقام تحقيق آخر جرى بيني وبين حضرة الشيخ ، وذلك أن حضرة الهدائي ـ قدسسره ـ قال في مجلسه الشريف : استدل المعتزلة على مذهبهم بما ورد في الصحيحين عن أبي موسى : «جنتان من فضة لبنتهما وما فيهما ، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما ، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه (١)».
قالوا : إن الرداء حجاب بين المرتدي والناظرين فلا يمكن الرؤية ، ولكنهم حجبوا من أن المرتدي لا يحتجب عن الحجاب إذ المراد بالوجه الذات ، وبرداء الكبرياء هو العبد الكامل المخلوق على الصورة الجامعة للخلائق الإمكانية والإلهية والرداء هو الكبرياء وإضافته للبيان والكبرياء رداؤه الذي يلبسه عقول العلماء بالله فافهم انتهى كلام الهدائي في نفائس المجالس.
وحله على ما تلقفت من حضرة الشيخ أن قوله : ولكنهم حجبوا من أن المرتدي يحتجب عن الحجاب معناه أن المرآة لا تكون حجابا للناظر ، كما أن اللباس كذلك بالنسبة إلى البدن نفسه إذ لا واسطة بينهما ، فالرداء من المرتدي بمنزلة المرآة من الناظر ، وكذا المرتدي من الرداء بمنزلة الناظر من المرآة ، إذا المراد بالوجه الذات بطريق إطلاق اسم الجزء على الكل كما في علي ـ كرم الله وجهه ـ ونحوه فالمرتدي هو الذات لا يحتجب عن حجابه عن الغير كالقناع للعروس ، فإنه كشف
__________________
(١) رواه البخاري (٦ / ٢٧١٠) ، ومسلم (١ / ١٦٣).