تراهم مغمومين منقصين وليس لهم في الحقيقة إلا الشكر عند ظهور اللطف والجمال والصبر والاستغفار عند ظهور القهر والجلال ؛ فإنهم مأمورون بهذا لا بالفرح والغم على خلاف غيرها.
ثم قال : هذا آخر الزمان الذي يغلب الجلال فيه على الجمال ، ولا حضور فيه إلا للمجرد رأى لصاحب تجريد وتفريد وهو الكامل المنتهي في المراتب ؛ فإنه ينظر إلى القضاء الأزلي ، وإن الله تعالى يحكم في ملكه دون ملك غيره وأنه لا يجري في ملكه إلا ما يشاء ، ويقول الناس : إن مرادنا لم يحصل من جهة الفتح ، وينقبضون من وقوع خلاف مرادهم مع أن الدافع من الكون مطلقا هو ما تتعلق به الإرادة الإلهية فيلزم الاتباع بمراد الله تعالى فإنه خير محض كما قال تعالى : (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ) [آل عمران : ٢٦] أراد بالخير ما سبق من الإيتاء والنزع والإعزاز والإذلال فالكل بالنسبة إليه تعالى خير محض وإن كان الإيتاء والإعزاز خيرا بالنسبة إلى الناس والنزع والإذلال شرّا.
قال حضرة الشيخ في قوله تعالى : (وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ) (١)
__________________
(١) قال الشيخ المصنف : أي : بالقتل والصلب وقطع الأعراق كما فعل بابن منصور ، قالوا : وكان قد جرى من الحلاج ـ قدسسره ـ كلام فى مجلس حامد بن عباس وزير المقتدر بحضرة القاضى أبي عمر فأفتى بحل دمه ، وكتب خطة بذلك وكتب معه من حضر المجلس من الفقهاء ، وقال له الحلاج : ظهري حمى ودمى حرام ، وما يحل لكم أن تتأولوا علىّ بما يبيحه وإنما اعتقادي الإسلام ومذهبي السنة وتفضيل الأئمة الأربعة الخلفاء الراشدين وبقية العشرة من الصحابة ـ رضى الله عنهم ـ ولي كتب فى السنة موجودة فى الوراقين ، فالله الله فى دمى ، ولم يزل يردد هذا القول وهم يكتبون خطوطهم إلى أن استكملوا ما احتاجوا إليه وانفضوا من المجلس وحمل الحلاج إلى السجن وكتب الوزير إلى المقتدر يخبره بما جرى فى المجلس ، فعاد جواب المقتدر بأن القضاة إذا كانوا قد أفتوا بقتله ، فليسلم إلى صاحب الشرطة وليتقدم بضربه ألف سوط ، فإن مات وإلا فيضرب ألف سوط آخر ، ثم ليضرب عنقه فسلمه الوزير إلى الشرطى ، وقال له ما رسم به المقتدر. وقال أيضا :
إن لم يتلف بالضرب يقطع يده ، ثم رجله ثم يحز رأسه وتحرق جثته ، وإن خدعك ، وقال لك : أنا أجري لك الفرات ودجلة ذهبا وفضة ، فلا تقبل منه ذلك ولا ترفع العقوبة عنه فتسلمه الشرطى ليلا ، وأصبح يوم الثلاثاء لسبع بقين من ذي الحجة من سنة تسع وثلاثمائة ، فأخرجه إلى باب الطاق وهو يتبختر فى قيوده واجتمع من العامة خلق لا يحصى عددهم وضربه الجلاد ألف سوط ولم يتأوه ، ولما فرغ من ضربه قطع أطرافه الأربعة ، ثم جزّ رأسه ، ثم أحرقت جثته ، ولما صار رمادا