كالسلاطين والملوك فإنهم أقل بالنسبة إلى الوزراء ، وهم أقل بالنسبة إلى الأمراء ، وهم أقل بالنسبة لسائر أرباب الجاه ، وهم أقل بالنسبة إلى الرعايا.
ء حضرة الشيخ إلى حجرتي التي عينها لي مدة إقامتي في داره العالية في هذه الزيارة وذلك يوم الخميس بعد العصر ، فجلس إلى قريب من المغرب ، وقال ما قال من المعارف العربية ، ثم قال في آخر المجلس : قلت محبة مني إليك ، ولذا جئت هناك يشدني بإرشاده يكفيني في الدنيا والآخرة ، ودعا لي بالخير ، ورأى حضرة الشيخ عندي مجموعة فيها بعض منظومة لي فقال لي : ما هذا؟ قلت : إنه لا مضايقة لي للكلام المنظوم والمنثور إلا أنه مزخرف ؛ فقال : لا تقل هكذا ؛ فإنه كفران للنعمة التي أنعم الله بها عليك ، ثم تلا قوله تعالى : (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) [الضحى : ١١] ، وقال : كل ما خطر ببالك من علم (١) فاكتبه منظوما أو منثورا ، ولكن لا تلتفت إليه ، فإن المطلب غيره : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) [الضحى : ٥] وتخلص من مصائب الطلب.
قال حضرة الشيخ : لا علي إلى صحبة أحد إلا أن يكون الإقبال من جانبه فاصحب به حينئذ لكن دع في الصحبة ما يليق بمقامه من الكلام وغيره ؛ فإن الحضور فيه ، قال تعالى : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [المؤمنون : ٩٦].
جلس حضرة الشيخ مجلس الوعظ والتذكير في جامع السلطان سليم الأول يوم الجمعة من شوال لسنة ثمان وتسعين وألف ؛ ففسر قوله سبحانه وتعالى :
(قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ) [المائدة :
١٠٠] ؛ فقال : أمر الله تعالى حبيبه ببيان عدم مساواة الخبيث ، وهو المال الحرام بالطيب ، وهو الحلال ؛ لأن الحرام مردود ، والحلال مقبول فهما لا يستويان أبدا فكما أنهما كذلك فكذا طالبهما إذ طالب الخبيث خبيث ، وطالب الطيب طيب ، والله تعالى يسوق الطيب إلى الطيب ، والخبيث إلى الخبيث كما قال : (الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ) [النور : ٢٦] والله تعالى لا ينظر إلى قلة الخبيث والطيب ، ولا إلى كثرتهما ، وإنما ينظر إلى الجودة فالطيب جيد وإن كان قليلا ، والخبيث رديء وإن كان كثيرا.
ثم قال : والإشارة أن من العلوم والأخلاق والأعمال ما كان خبيثا وما كان
__________________
(١) في الأصل : من غير تعمل ، وبآثار المخطوط كشط.