فقال حضرة الشيخ : إن هذا الشك بالنسبة إلينا لا بالنسبة إلى الله ؛ فإن العلم بالنسبة إليه وجد إذ لا رابط لا يطرأ عليه النسيان والشك.
ومعنى العبارة المذكورة : إن تعلق علمك وإرادتك ، فلمّا كان تعلق هذا العلم مشكوكا بالنسبة إلى العبد عبر بكلمة الشك فسكت المدعي المنصف كأن القمر الحجر الصلد (١) ، وفي فتح الباري : قوله : «اللهم إن كنت تعلم» (٢) فيه إشكال ؛ لأن المؤمن يعلم قطعا أن الله تعالى يعلم واجبه بأنه تردد في عمله ذلك أهل له اعتبار عند الله تعالى أولا فكأنه قال إن كان عمل ذلك مقبولا فأجب دعائي انتهى.
فما فضلوكم بهما من الغدوة تلا حضرة الشيخ قوله تعالى : (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر : ٩٩].
وقوله تعالى : (يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً) [الأنفال : ٢٩].
وقوله تعالى : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) [الإسراء : ٧٩] فقال : إن الله تعالى أشار في هذه الآيات إلى ما يعود إلى جانب العبد حيث أسند إليه العبادة والتقوى والتهجد ، وإلى ما يعود إلى جنابه تعالى ، وهو إتيان اليقين منه والجعل والبعث ؛ فلا بد للسالك من التقيد بما أمر به سواء حصل الموعود وهو مضمون الجزاء ، ولم يحصل ، مثلا لو فرض أن عمره ألف سنة وأمر بالعبادة خمسمائة سنة ولم يحصل في هذه المدة اليقين في قوله تعالى : (حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر : ٩٩] ينبغي ألا يجد لذلك في قلبه كدرا أصلا لمقتضى قوله تعالى : (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ) [الحديد : ٢٣].
ولو حصل له ذلك في الخمسمائة الأخرى إلى تمام الألف ينبغي ألا يجد لذلك صفاء قطعا ، بوفق قوله تعالى : (وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ) [الحديد : ٢٣] فالمنع والعطاء بيد الله ، وليس للعبد إلا العبودية المحضة ، ثم قال : ولقوله : (حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر : ٩٩] ، وأمثاله فائدة ، وهي التشريف.
قال حضرة الشيخ : علم الظاهر دنيا أهل السلوك ، وعلم الباطن عقباهم ، فلا بد من الفناء عن الكل ؛ لأن مطمح نظر أهل الله هو الله بل لا مطمح هناك ؛ فإنه القيود ، ثم قال : أهل الدنيا كثير وأهل العقبى قليل ، وأهل المولى أقل من القليل وذلك
__________________
(١) هكذا في الأصل.
(٢) تقدم تخريجه.