(فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) [الأنعام : ٥٢] فإن تدبير النفس تدبير سيئ وتدبير حسن فلا بد للسالك من أن يخرج عن تدبيره ، ويكل الأمر إلى الله فيعرض عن المعاش ، ويقبل إلى المعاد تمسكا بالشريعة ، وإلا فالعارف مجرد عن الأدبار في نفس الأمر.
وقال : إذا وقع القحط والغلاء ؛ فإن الله تعالى يفتح من خزائن غيبه قدر ما يكفيه كما كان يفتح له حال الرخص ؛ فإن المنة لله تعالى ، ولا ينبغي للعبد أن يتوكل في فكر المعاش ، ويغتم له ؛ فإنه من الفضلة.
قال حضرة الشيخ : إنه محيط بالعوالم كلها ، وهو أول ما ينكشف للسالك ، قال : إنّ سورة الإخلاص إشارة إلى حال النزول ، وهو حال المجذوب فأولا بقول : (هُوَ اللهُ أَحَدٌ ، اللهُ الصَّمَدُ ...) [الإخلاص : ١ ـ ٤] إلى آخر السورة ، وحال الصعود يعتبر من الأخراني ، جانب ، «هو» فيقول أولا : (لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) [الإخلاص : ٤] ثم يترقى إلى أن يقول : «هو» لكن لا ينبغي للسالك أن يكتفي بوجدان هو في القرآن بل ينبغي له أن يترقى إلى القرآن الفعلي فيشاهد هو في القرآن.
عرضت على حضرة الشيخ بعض اللوائح فدعا لي ، وقال : جعل الله خيالك ولسانك مورد الكلام الإلهي ، ولكن احترز أنت عن شهوة الكلام ، قرأ القوال عند حضرة الشيخ الهدائي في بعض الإلهيات التركية : [كجوب صحراى عالمدن كذر قيل عرش اعظمدن خلاص أول درد ايله غمدن دكل يا هو وبا من هو](١)
فقال : المراد من العبور من صحراء العالم هو التجاوز عن عالم الملك وسيره ، وهو العالم الظلماني ، ومن المرور من العرش الأعظم هو التجاوز عن عالم الملكوت وسيره ، وهو العالم الروحاني ، والكل من الكون في التعبد بكل منها كدر وغم لكونه ما سوى الله ، والحضور في الوصول إلى المولى ، والتجاوز إلى حضرة اللاهوت ، ولذا قال : [خلاص أول دردله غمدن](٢) ثم مدح حضرة الشيخ الهدائي ، وأقواله الجامعة ، وأثنى عليه بما يليق بمقامه ، ثم أنجز الكلام إلى أن قال : إن النفس الإمارة نفس النفس الكافرة ، والمؤمنون من أهل العموم ترقوا منها بإيمانهم إلى اللوامة ، وعلماء الظاهر من أهل النظر والاستدلال عموما بقوا في اللوامة والملهمة ، ولم ينحطوا إلى المطمئنة ؛ لأنها
__________________
(١) ألفاظ باللغة التركية.
(٢) العبارة باللغة التركية.