عليه فيها ، لكن كان ظاهر الحق باطنا في الحضرة العينية ، وباطنه ظاهرا فظاهر الخلق باطن الحق ، وباطن الخلق ظاهر الحق ، ثم قال : انظر إلى هذه الأشجار ؛ فإنها ثابتة في مكانها منذ ما خلقت ، وهي على هذه الحالة إلى وقت فنائها ، فلا بدّ من ترك الحركة الإرادية في طريق الحق ، ذكر حضرة الشيخ مراتب النفوس ومثّل لها بالأوقات المخصوصة من الليل والنهار ثم تلا قوله تعالى : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ* الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ) [آل عمران : ١٩٠ ـ ١٩١] ، فقال : المراد بالذكر القيامي توحيد الأفعال ، وبالقعودي توحيد الصفات ، وبالجنوبي توحيد الذات وتحقيقه أن القيام المستلزم الحركة إشارة إلى ما أشار إليه النهار ، والقعود والاضطجاع المستلزمين للسكوت إشارة إلى ما أشار إليه الليل وقد سبق.
وسرنا إلى حصار روم أيلّى في القسطنطينة ، فأمرني حضرة الشيخ بالوعظ والتذكير في جامع في السواحل فامتثلت ، ثم لما تمّ المجلس وكان حاضرا فقبّلت يده الشريفة فدعا لي بالخير ثم دخلنا السفينة ، فجاء وقت المغرب فخرجنا إلى بعض السواحل فأشار إلي الإمام ، ولما فرغنا من الصلاة أخذ يتكلم من المعارف ، وأنجز الكلام إلى ذكر السلطان ، واختلال الزمان بالظلم والعدوان والفساد والطغيان ، وقرب زمان المهدي ، وانقراض السلاطين العثمانية ، فصلينا في جامع الحصار الذي بناه السلطان محمد الفاتح على شكل اسمه محمد ، وأمر حضرة الشيخ خليفة الشيخ حسين أن يعظ الناس في ذلك الجامع ففعل فلمّا جئنا إلى المنزل أحضر الشيخ جملة الإخوان ، وقرأ عليهم رسالتي التي ألفتها في حق حضرة مخدومه السيد محمد الجودي ـ أبقاه الله تعالى ـ فسرّ واستبشر ، ودعا لجملة الإخوان بالخير والسعادة ، ثم قال مخاطبا الخليفة المذكور : أنتما كعيني هاتين ، وأشار بيده إلى عينيه المباركتين ، ثم أمرني بقراءة القرآن ثم بقراءة بعض الإلهيات الهدائي ، ثم بالتلاوة ثانيا ففعلنا فلمّا جاء وقت الدعاء توقفت فيه ، وعرضت ذلك على جنابه حتى يكون هو الداعي والباقي هو المؤمن ، فقال : لا تفعل. فإني استخلفتك ، ومن مواضع الخلافة مثل هذا الدعاء ؛