فأجاب حضرة الشيخ : بأن من أسمائه حينئذ الأحد الجامع ، والظاهر ، والخالق ، والباري وغيرها مما يناسب لتعينها ، ونعني بالنطفة ما فيها من المادة الإنسانية قدر خردلة ؛ فإن تلك الحبة هي التي يحصل منها العلوق ، ولو لا ذلك في أجزاء النطفة ما تكون الولد ، وكذا عجب الذنب ، وهو جزء من الأجزاء الإنسانية قدر خردلة بل أصغر لا يبلى ولا يفنى ، وإن فنى سائر الأجزاء ، ومنه يبدأ التركيب في النشأة الآخرة ؛ فسبحان القادر القوي أنشأ الإنسان في النشأتين من جزء لا يتجزأ إشارة إلى أحديته ، وتطبيقا للآخر بالأول.
وإلى هذه الحبة إشارة في قوله تعالى : «كنت كنزا مخفيّا فأحببت أن أعرف» (١) فإن لفظ «حببت» مشتمل على الحبة ، ونفي بالحبة ذلك الجزء قدر أصغر خردلة.
قال حضرة الشيخ : المعرفة والمحبة يتفاضل أحدهما على الآخر بالاعتبار ، فبينهما فرق ، وذلك أن المعرفة بحسب التنزل الرحماني كما يشير إليه قوله : «كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف» (٢) «قوله» تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات : ٥٦] «لي» تفسيره ب «يعرفون» ؛ فكونه تعالى معروفا باعثا للمحبة ، وعلة غائبة للخلق ، والمحبة باعتبار الترقي الإنساني ، وكون المرء عبدا حقّا ، ولذا كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم حبيب الله فلا رتبة فوق كون العبد محبوبا لأن المحبة باعتبار الفناء ، والمحبوب باعتبار البقاء ، وللبقاء فضيلة عظمى.
قال حضرة الشيخ : الفرق والجمع على مراتب ، فأهل الغفلة والحجاب في الفرق الأول ، وهو شهود الخلق بلا حق بعد الجمع والفناء الأول ، وهو شهود الحق بلا حق ، ثم بعده الفرق الثاني والبقاء الأول ثم بعده جمع الجمع والفناء ، والبقاء الثاني وهو شهود الخلق في الخلق ، وشهود الخلق في الحق من غير احتجاب بأكثر عن الوحدة وبالعكس ، وعنده يظهر سر قوله تعالى : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) [الشرح : ١] وهذه ـ أي : مرتبة جمع الجمع ـ مرتبة جمع الذات والصفات ، والأفعال بالفعل ، والتحقق بأسرارها.
قال حضرة الشيخ : إن إسرافيل مظهر الحياة ، وجبرائيل مظهر العلم ، وميكائيل مظهر الإرادة ، وعزرائيل مظهر القدرة ، وكذا الحرارة والرطوبة والبرودة
__________________
(١) ذكره العجلوني في «كشف الخفاء» (٢ / ١٧٣) ، والمناوي في «التعاريف» (١ / ٥٦٨).
(٢) سبق تخريجه.