والحاصل أن الفرق يعتبر الضلال ، والجمع يرفع الإشكال ، والأول بحسب البداية ، والثاني بحسب النهاية ، ولا يلزم من الضلالة في البداية عدم الهداية في النهاية ، فإن البداية والنهاية واحدة ، كما أشار إليه قوله : «سبقت رحمتي غضبي» (١).
وقول حضرة الشيخ الهدائي في بعض الإلهيات التركية : [...](٢) وفيه تفصيل عجيب يحال على الذوق ، فافهم ، واثبت على الصراط المستقيم ، ولا تكن من المكبين على وجوههم ، واعتبروا الضلال ضلالا ، والهدى هدى ؛ فإن الشريعة هادية إلى كل منهما ، وإياك وسوء الظن في حق الصوفية ؛ فإن مقالاتهم تحصيل معاني لا تدرك بالعقول ، وإن كانت مستنبطة من النقول ، والله الهادي ، وعليه اعتمادي واستنادي.
قال حضرة الشيخ في قوله عليهالسلام : «إن الله فرد يحب الفرد» (٣) : إن مقام الفردية يقتضي التثليث ، فهو ذات وصفة وفعل ، وأمر الإيجاد يبتني على ذلك ، وإليه الإشارة بقوله تعالى : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [النحل : ٤٠] إرادة وقولا ، والقول بعد الإعلان باللقاء ، فليس عند الحقيقة هناك قول ، وإنما هو لقاء الموجد ـ اسم فاعل ـ بالموجد ـ اسم مفعول ـ وسريان هويته إليه ، وظهور صفته وفعله فيه ، فافهم هذه الدقة ، فإنها إرادة عن مقام الحقيقة.
قال حضرة الشيخ : إذا قلت : لا إله إلا الله ، فشاهد بالشهود الحقاني فناء أفعال الخلق ، وصفاتهم ، وذواتهم في أفعال الحق سبحانه ، وصفاته ، وذاته وهذا مقتضى الجمع والأحدية ، وتلك الكلمة في الحقيقة إشارة إلى هذه المرتبة.
وإذا قلت : محمد رسول الله فشاهد بالشهود الحقاني أيضا بقاء بأفعالهم وصفاتهم وذواتهم بأفعاله تعالى وصفاته وذاته ، وهذا مقتضى الفرق والواحدية ، وتلك الكلمة أيضا في الحقيقة إشارة إلى هذه المرتبة ، فإذا كان توحيد العبد على هذه المشاهدة فلا جرم أن توحيده يكون توحيدا حقيقيّا حقانيّا لا رسميّا نفسانيّا ، وفي تحت هذه العبارة من الإشارات الخفية ما لا تعد ولا تحصى ، هدانا الله وإياكم إلى فتحها وذوقها.
وقال حضرة الشيخ في قول الهدائي ـ قدسسره ـ في بعض إلهياته التركية :
__________________
(١) رواه البخاري (٦٩٩٨) ، ومسلم (٤٩٤٠).
(٢) كلام تركي.
(٣) ذكره المصنف في تفسيره (٧ / ٢٥) ، (١١ / ٤٢١).