الحقيقي ؛ فإن الأعيان على ما كانت عليه ، وليس في البين إلا الظل والخيال.
وقال حضرة الشيخ : أول ما بدأ به رسول الله صلىاللهعليهوسلم من الوحي الرؤيا الصادقة ، وكانت مدتها ستة أشهر على ما هو أدنى مدة الحمل ، ثم جاء الملك فعبر عن المثال المقيد إلى المثال المطلق ، ولذا نقول : إن تعبير الرؤيا إنما هو في النفس الأمارة واللوامة ، فإذا وصل السالك إلى المهمة قل احتياجه إلى التعبير ؛ لأنه حينئذ يكون ملهما من عند الله كما هو صريح قوله تعالى : (فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) [الشمس : ٨] فمرتبة الإلهام له كرتبة مجيء الملك للرسول عليهالسلام.
ويقال لعالم الرؤيا : عالم المثال المقيد بالنوم لتمثل الأشياء فيه ، ويطلق على عالم الأرواح أيضا لكنه لطيف بالنسبة إليه ، كما أنه لطيف بالإضافة إلى عالم الأجسام.
واعلم أن الخيال هو في لسان القوم هو الحقيقة ، فالخيال المطلق ، والمثال المطلق شيء واحد ، وهو ما تراه في اليقظة بالبصر ، وهو العرش وما دونه من العناصر والمواليد ، وكذا الخيال المقيد والمثال أمر واحد وهو عالم المنام وعالم الانسلاخ وعالم البرزخ ، والانسلاخ قرن المنام في الرتبة ؛ فإنه حال الكمّل.
ثم كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم لا يأخذ الوحي إلا في حضرة الخيال المطلق أو المقيد بالانسلاخ ، إلا أنه لا يبقى لأهل الانسلاخ إحساس لمعنى عنده أصلا ، ويعرض لجسده فتور ، فإذا تم الأمر رجع إلى حاله وإليه الإشارة بقوله تعالى : (وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ) [البقرة : ٢٤٥] فالقبض إشارة إلى الانسلاخ ، والبسط إلى العود إلى الحياة الأولى ، فإذا قبضه بالانسلاخ بسط في حضرة المثال القيد ، وإذا بسط بالرجوع قبضه في حضرة المثال المطلق ، أو نقول : يقبضه من المثال المطلق ، ويبسط في القيد ، ويقبض في القيد ، ويبسط في المطلق.
سألت حضرة الشيخ عن التوفيق بين قوله تعالى : (إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [هود : ٥٦] وبين قوله : (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ) [الملك : ٢٢] الآية.
فأفاد أن الأول إطلاقي حقيقي ، والثاني تقييدي إضافي بالماشي مكبّا على وجهه على صراط مستقيم في الحقيقة ، يمشى به ربه إلى غاية ما ، وإن كان في الصورة على الضالية دون الاستقامة.