والأغذية الروحانية تقوى القلب والروح على التوجه إلى حضرة الذات.
والعلم الصوري كالغذاء الجسماني من حيث إن نفعه في ظواهر الأحكام.
والعلم الحقيقي كالغذاء الروحاني من أن نفعه في بواطن الأمور ، فشرب اللبن في المنام بالنسبة إلى علماء الرسوم يعبر بزيادة العلم من حيث الظاهر ، وبالنسبة إلى علماء الحقيقة يعبر بزيادة من حيث الباطن ، ويعبر النفس اللبن بالنسبة إلى الطائفة الأولى ، والزائد المشتمل هو عليه بالنسبة إلى الثانية.
قال حضرة الشيخ في قوله تعالى : (وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها) [الحديد : ٢٧] : إن السنن النبوية مستنبطة عن الكتاب ، وسنن أهل الولاية من السنة ، والمقصود من الكل استكمال النفس علما وعملا.
فإن قلت : ما وجه الزيادات الصادرة من مشايخ الطريقة؟
قلت : لأنه لما تباعد العهد منه عليهالسلام بعدت الأفهام عن درك الحق ، وتضاعفت الحجب ، وقست القلوب ، وضعفت الاستعدادات ، فزادوا هذه الزيادات عونا للضعفاء على تحصيل مطالبهم ، وإرشادا إلى ابتغاء الوسيلة بحسب المراتب ، وما فعلوها من عند أنفسهم بل بإلهام الله تعالى ، ولذا قال بعض الكبار : ما يصدر عن الواصل من الأفعال شريعة ، وكذا الباقي فاعتبروا حفظ الإجمال لتنقل منه إلى تفصيل الحال.
قال حضرة الشيخ : المرئي في المرآة هو الوجود الظلي ، والمرآة مجلاة ، لكن الوجود الظلي أيضا مرآة لحال المرآة من الاستدارة والاستطالة وغيرهما ، فكما أن الوجود الظلي لا يدرى إلا في المرآة ، فكذا لا يشاهد حال المرآة إلا في الوجود الظلي ، ومن هنا قال العلماء بالله : إن الأكوان مرائي للوجود الظلي للأعيان الثابتة ، فلا يشاهد فيها إلا ظل تلك الأعيان.
وكذا الموجودات الظلية مرائي للأكوان فلا تعطي إلا حالها وصورتها ، والوجود واحد في كل مظهر ، لكن بحسب الرائي تختلف الأحوال فاختلافها لا يستلزم اختلاف الوجود ، فكل من الوجود الظلي ومرائي خيال معدوم في حد ذاته كالمرآة والمرآة فيها ، وإنما الوجود الحقيقي للأعيان بل للذات الأحدية فافهم.
ولا يتوهم أن الوجود قد انتقل من الأعيان إلى الأكوان والمرائي هو الوجود