المقربين ، لكن اجتهد في أن تكون مريدا في الحقيقة فانيّا عن إرادة الدنيا والعقبى مطلقا حتى تكون عبدا مخلصا وفانيا عن إرادة المولى حتى تكون عبدا مخلصا بالفتح ، فإذا كنت كذلك كنت عبدا حقّا مطلقا حرّا عن الرق جميعا معدوما بنفسه ، موجودا بربه ، وكيلا له ربه في الإرادة مطلقا ، يريد له ربه الدنيا والعقبى والمولى ، ويحصل له الكل بلا احتمال هلاك ، ولا خطر ، ومن كان كذا فأولئك هم المفلحون الفائزون الناجون مطلقا ، وهم الخالصون المخلصون (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ) [الزمر : ٣] (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) [البينة : ٥] وهم الذين ورد فيهم : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) [الحجر : ٤٢].
قال حضرة الشيخ : إن إبراهيم عليهالسلام له التحقق بجميع مراتب التوحيد من الأفعال ، والصفات ، والذات ، وذلك ؛ لأن الحجب الكلية ثلاث هي : المال والولد والبدن ، فتوحيد الأفعال إنما يحصل بالفناء عن المال ، وتوحيد الصفات بالفناء عن الولد ، وتوحيد الذات بالفناء عن الجسم والروح ، فتلك الحجب على الترتيب بمقابلة هذه المقامات عن التوحيد ، فأخذ الله عن إبراهيم المال تحقيقا للتوحيد الأول ، وابتلاه بذبح الولد تحقيقا للتوحيد الثاني ، وبجسم الروحي حين رمى به في نار نمرود تحقيقا للتوحيد الثالث ؛ فظهر من هذا كله فناؤه في الله ، وبقاؤه بالله.
قال : واستلام الغنم أقوى من استلام سائر الحيوانات ، وكذا كان الكبش فداء إسماعيل عليهالسلام ، ولذا أيضا من رأى في المنام شاة من أرباب النهاية والوصول فرؤياه تدل على كمال الانقياد والتسليم ، ومن رآها من أرباب البداية ، فذلك يدل على حال الطبيعة والشهوة ؛ لأن الطبيعة غالبة في الشاة ، ومن رآها من أرباب التوسط ؛ فإن أردت أن يحصل له الترقي والانجذاب إلى ما فوق مرتبته فعبرها بالاستلام ، وإن أردت أن يحصل له الطهارة والتزكية فعبرها بالطبيعة.
ومثل هذا من اللطائف الجارية بين المريد والمرشد فشاء المريد الاستلام التام لشيخه كاستلام الشاة للذبح حتى ينال الفيض والحياة الحقانية.
قال حضرة الشيخ : جميع الأطعمة والأشربة يعبر بما هو كثيف ولطيف ، فالكثيف إشارة إلى العلم الظاهر ؛ لأنه مكون كالقشر من اللب كثيف ، واللطيف والألطف إشارة إلى العلم الباطن ؛ لأنه كاللب من القشر لطيف ، ووجه التعبير بذلك هو أن الأغذية الجسمانية تقوي البدن على الأعمال والطاعات.