الأمور ، وظهور الفراسات.
أقول : العلم بالله أعلى من كل كشف وكرامة ، ويكفيه شرفا للولي سواء صدر منه خارقا للعادة أم لا ؛ فإن صدوره ليس من وظائف الولاية ، وأكثر ما يصدر من أهل البرازخ ، ومن هنا يقع لهم اليقين من جهة العامة لمكان المناسبة بينهم ولو في الجملة بخلاف العلماء بالله أهل الفناء ؛ فإنهم لما انقطعوا عن علاقة كل اسم ووصف ، وتجاوزوا عن حد الجمهور ، ومجانستهم انقطعت العلاقة بينهم وبين العامة ، فإن اتفق الأنام وأنت منهم فإن المسك بعض دم الغزال.
قال الشيخ : رأيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم في المنام فأخذت أمص من فيه عليهالسلام حتى شبعت ، قال : فبينما أنا أمشي مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذ طائفة من الهرات وبجنبها طائفة من الكلاب فأخذت الهرات تشير بأيديها إلى كلمة الشهادة ، والكلاب ساكتة ، فعرفت منه سر قوله عليهالسلام : «حب الهرة من الإيمان» (١) وسر إخراج الكلب من البيت ، وعدم الاعتناء به ؛ لأنه ظهر منه أن الهرة مؤمنة بالله وبرسوله صلىاللهعليهوسلم ولذا كان حبها من الإيمان ؛ لأن حب المؤمن من الإيمان ، وأن الكلب خلاف ذلك ، ولذا أمر بالكراهة ، وعدم الحب ؛ لأن بعض أهل البدعة والكفر أيضا.
قال حضرة الشيخ : أهل الدعوى وهم المتشيخون سوف يغشيهم الحياء يوم تبلى السرائر ، ويرهق وجوههم قتر وذلة ؛ فإنه لا معنى لادعاء التحقيق بما ليس له.
قال : انظر إلى كلمات حضرة الشيخ الهدائي ـ قدسسره : حيث لا دعوى أصلا ، ولا رائحة إلا نية قطعا ، وقد كفي الله مؤنة الإظهار في حق الأخيار من غير دعوى وإقرار.
ألا ترى إلى قوله تعالى : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) [البقرة : ١٢٤] (إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ) [ص : ٢٦] فما عرف من عرف إلا إظهار الله وعلائمه.
قلت : ما معنى قول الهدائي في بعض إلهياته التركية : [...](٢).
قال : هو ليس بدعوى بل هو كالشرط والجزاء ، والمراد هو الجسد فكما أن الميت المقبور في لحده قد فنى ذاته وأفعاله وصفاته فلا يصدر منه لفظ ولا ينبئ عن
__________________
(١) ذكره علي القاري في «المصنوع» (١ / ٩١) ، والعجلوني في «كشف الخفاء» (١ / ٤١٥).
(٢) كلام تركي.