شيء فكذا الحي المقبور في جسده ، وهو الذي مات بالاختيار قبل الموت الاضطراري ولم يبق له أثر من ذاته وصفاته وأفعاله ، بل وصل إلى عالم المحو والمحق ، لكن لما أخذ الله منه الفناء أعطى بدله البقاء ، فذهبت الحياة الحيوانية ، وجاءت الحياة الحقانية ، وفنى اعتبار الوجود ، وبقى الوجود عين الجود ، وانطمس آثار الصفات البشرية النفسانية ، وتجلت أنوار الكمالات [الربانية].
قال حضرة الشيخ : ينبغي للعارف أن ينظر إلى الخلق بنظر الجمع والتوحيد ، وإلى نفسه بنظر الفرق والشريعة ، فإذا فعل ذلك سلم من المكر ، والأذى ؛ فإن هذا النظر يمنعه عن الإطالة ، فيسلم الناس من لسانه ويده ، وينظرون أيضا إلى فرقته وشريعه فيسلمون من الاعتراض ، فيحصل النفع لكلا الجانبين ، هذا مما ينبغي أن يحفظ بين أرباب الطريقة.
قال حضرة الشيخ في قول حضرة الشيخ الشهير ب اقتادة ـ قدسسره ـ في بعض إلهياته التركية : [أهل عرفان ديديلرسن جقما ينجه اره دن بلمزسن كيمدد كندنى ينهان ايلين](١).
المراد بقوله : «سن» الإضافة إلى الكون ، والمراد من قوله : «جقما ينجه» إسقاط تلك الإضافة ؛ لأن التوحيد إسقاط الإضافات مطلقا وجودا وذاتا ، وصفة وفعلا ، فافهم.
وأيضا المراد بقوله : «سن» هو النسيان كما هو مذكور فيه بطريق التضمن ، وهو برزخ بينك وبين المعرفة ، فإذا خرج من البين ظهر العين وانفتح العين وارتفع العين ، وليس للعبد حجاب غير الغفلة والنسيان.
قال حضرة الشيخ : الجمع في قوله : (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ) [آل عمران : ٥٤] هم مظاهر الأسماء الجزئية ، وجملة هذه تحت حيط اسم الله ؛ فمكر الله غالب ؛ لأنه يحيط ويحير ؛ لأنه يمكر من حيث لا يدري الممكور ، والممكور يمكر ولا يدري أنه يأخذ ذلك المكر من الماكر الحقيقي فأين هذا من ذلك!
قال حضرة الشيخ : التوحيد جحود في الحقيقة وإنكار ؛ لأن توحيده سبحانه يوهم أن يكون له شريك ونظير وليس الأمر كذلك ، فالنفي في كلمة : (لا إله إلّا الله) نفي الموجود المتوهم من الكثرات ، أما في نفس الأمر فلا نفي ولا إثبات ، ورأى
__________________
(١) كلام تركي.