فإن أول ما قال : لا إله إلا الله ، شرّفه الله تعالى بأن يقول : محمد رسول الله ، فظهر أن الرسالة إنما هي تعيين من الله تعالى ، ونحوها الخلافة المتوارثة بين أهل الطريقة ، فإنها إنما تتعيّن من الله تعالى ، إما بلا واسطة وذلك نادر ، وإما بواسطة وهو الشيخ ؛ لأنه صورة النبي صلىاللهعليهوسلم ، فأمره أمر من الله ، ومن الرسول صلىاللهعليهوسلم ، فإنه تعالى قال : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) [النساء : ٨٠] ، فإن الرسول يدخل فيه ورثته من طريق الإشارة ، ثم إن إثبات الألوهية ماض من أول دور السنبلة إلى آخره ، وهي جمعة من جميع الآخرة.
وأما إثبات الرسالة المحمّديّة بخصوصها ، فلا يجري إلا في الألف الأخير من السبعة ، وقد يتحقّق واحد من هذه الأمة المرحومة ببعض الأسرار ، فيكون في حكم من عاش من أول الزمان إلى آخره ، فيكون ورده في تلك المدة : لا إله إلا الله ، وفي الألف الأخير : لا إله إلا الله محمد رسول الله.
فانظر ما أشرف هذا المقام ، فالعمر القصير قد يمدّه الله ويبسطه ، بحيث يستوعب الدهر ، والله على ما يشاء قدير ، فالآخر يحيط بالأول ، والآخر دون الأول ، وإن بعض الأولية سارية في الأزمنة كلها ، ولذا عمل الشافعي بقوله أول الوقت : رضوان الله ، فبكر بالصلوات غير المغرب ، فاعرف هذا الشيء الجليل.
لا إله إلا الله
نفي الألوهية عن الغير يستلزم وحدة الوجود ؛ لأنه إذا كان الإله متعددا كان الوجود أيضا كذلك ، فصحّ أن المعبود بالحق إله واحد ، لا إله غيره ، ولا وجود سوى وجوده ، وهو سرّ قول من قال : ليس في الدار غيره ديار.
ومن ألحق هذا القائل بالنصارى فقد تنصّر في المعنى ؛ لأن من رضى لأخيه المؤمن ما رضي فقد اشترك فيه ، وعلى ما ذكرنا يدور سرّ قول من قال من الأكامل : (عقد الناس في الإله عقائد) ، وأنا اعتقدت لجميع ما اعتقدوا.
فإن مراده ليس إثبات الشريك لله تعالى ، بل إثبات أن الأشياء مظاهر الأسماء ، فالألوهية ثابتة لله تعالى ، وليست هذه النسبة لغيره ، ومن نسبها إلى غيره ألحد وأشرك ، ولم يعرف أن المسمّى إذا كان واحدا كانت الأسماء كلها خدامه ، ومن