اعلم أن المرسلين على أنواع :
فمنهم : من أرسله الله تعالى إلى الخلق لإخراجهم من الظلمات إلى النور ؛ إذ فيه سلامتهم في الدّارين ، فيسري سلامة المرسلين إلى المرسل إليهم ؛ فالكل سالمون داخلون تحت الاسم السّلام ؛ لأن المطيع لمن أرسله السّلام سالم ، وهؤلاء المرسلون هم الأنبياء عليهمالسلام ، وإرسالهم إرسال حقيقي من الوجهين الخاص والعام ؛ وهم مؤيدون منصورون ، إمّا بالحجة والسيف جميعا ، وإمّا بالحجة فقط.
قال تعالى : (قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) [الأنعام : ١٤٩] ، ومنه يعلم إن المقصود الأصلي : إلزام الدين بالبرهان.
وإمّا السيف : فإنما هو لدفع شر الأعداء ، ولولاه ما ظهر السيف في العالم أبدا ؛ لأن الإنسان بنيان الله ، فلا يهدم إلا بناء على ضرورة قوية.
ومنهم : من أرسله الله تعالى إليهم أيضا لذلك المعنى ؛ وهم أيضا سالمون بفضل الله تعالى ، وهم ورثة الأنبياء ، والعلماء بالله ، وإرسالهم إنما هو من الوجه الخاص فقط ؛ لأن الملك لا يرسل من الوجه العام إلا إلى النبي ، فدعوتهم كدعوة الأنبياء كما قال : (أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) [يوسف : ١٠٨].
ودعوتهم إلى التوحيد الأفعال ، والصفات ، والذات ، وإن كانوا لا يجابون إلى جميع هذه المراتب في كل زمان بحسب اختلاف المشارب ، وضعف الاستعدادات إلا ورثته هذه الأمة المرحومة ؛ فإنهم أهل المراتب جميعا ، ولهم دعوة مطلقة ، وإجابة مطلقة إلى آخر الزمان لقوة استعداد الأمة ، وكمال قابليتها ، ولله درهم في كل عصر
__________________
ـ وبحر الكلام له (ص ٥٩) ، ونهاية الأقدام في علم الكلام (ص ٤١٧ ، ٤٧٧) ، ومحصل أفكار المتقدمين والمتأخرين (ص ٢٢١) ، والأربعين في أصول الدين للرازي (ص ٣٠٢ ، ٣٨٤) ، وأصول الدين للرازي أيضا (ص ٩١ ، ١٠٥) ، وغاية المرام في علم الكلام للآمدي (ص ٣١٥ ، ٦٣٠) ، والمسامرة بشرح المسايرة للكمال (ص ١٧٨ ، ٢١٢) ، وشرح المقاصد (٢ / ١٢٨ ، ١٥٣) ، ونشر الطوالع (ص ٣٣٠ ، ٣٤٥) ، وشرح الفقه الأكبر (ص ٦٩ ، ٧٠ ، ٧٩) ، ومختصر شرح العقيد الطحاوية (ص ٣٧ ، ٤٣) ، والأساس لعقائد الأكياس (ص ١٢٥ ، ٢٤٣) ، ورسالة التوحيد (١١٤ ، ٢٠١).