غلبة الروحانية ملتحق بالملك ، فالكامل هو الذي يرى في مرآته جميع الصور بحسب التجليّات الإلهية المختلفة ، ثم الهلاك إمّا بالاضطرار ؛ فذلك إهلاك الباقي بالطبع ؛ وهو الموت الطبيعي ، وصاحبه مقهور مردود إلى الله تعالى بالقهر الجلالي كما دلّ عليه قوله تعالى : (إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [البقرة : ٢٨] بضم التاء : أي تردّون ردّا عنيفا.
وإمّا بالاختيار ؛ فذلك هلاك الفانين عن الطبع ؛ وهو الموت الفنائي ، وصاحبه مجذوب إلى الله تعالى بالجذب الجمالي كما دلّ عليه قوله تعالى : (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [البقرة : ٢٤٥]. بفتح التاء : أي رجوعا خفيفا ، وكل منهما مقبوض من الكثرة إلى الوحدة ، ومن الفرع إلى الأصل ، ومن الواحدية إلى الأحدية ، ومن التفصيل إلى الإجمال ؛ وهو السرّ في قيام الساعة ؛ لأن كل شيء يرجع إلى أصله.
فالهالك الاضطراري ؛ كالعبد الآبق يرجع إلى مالكه ، وهو مغلول ، والهالك الاختياري ؛ كالقادم من الحج مثلا يرجع إلى أحبابه ، وهو ملتفت منظور ، فعليك بعلاج المرض الباطني ؛ ليصحّ روحك بالانقطاع من التعلّقات ، والانفصال عن الميل إلى الكائنات ؛ حتى يكون قدومك إلى الله تعالى قدوم الغائب إلى أحبّ أهله.
وذلك ان العافية من التعلّقات تصحّح المناسبة الذاتية ؛ لأن التجلّي الإلهي الساري في الموجودات صاف خالص عن الكدورات ، وإذا اتحدّ بالمحلّ في تلك الصفوة لم يبق له سوى الجمال ؛ إذ الجلال إنما ينشأ من الكدورات الحاصلة من التعلّقات ، وغلبة الجمال تقابل الجلال الذي يحصل بالموت ؛ لأن العبد يكره الموت بالطبع ، فإذا ليس للإنسان الحقيقي الأنوار الجمال ، وسرّ الكمال ، وليس له نار القهر والجلال ؛ ولذا كان حاله أيسر من حال غيره في الانتقال من موطن إلى موطن ، وإن كان أشدّ البلاء على الأصفياء في النشأة الأولى ، فذلك لا يؤثّر في بواطنهم ؛ لكونهم مع الله تعالى معلويين ، والله المعين.
وارد في المرسلين (١)
__________________
(١) انظر : التمهيد (ص ١٠٤) ، وشرح الأصول الخمسة (ص ٥٦٣ ، ٦٠٠) ، وتثبيت دلائل النبوة للقاضي عبد الجبار ، والتوحيد (ص ١٧٦) ، وأصول الدين للبغدادي (ص ١٥٣ ، ١٨٣) ، والإرشاد للجويني (ص ٣٠٢ ، ٣٥٧) ، ولمع الأدلة (ص ١٠٩ ، ١١٢) ، والعقيدة النظامية (ص ٦٣ ، ٧٦) ، والاقتصاد في الاعتقاد (ص ١٦٣ ، ١٧٥) ، وتبصرة الأدلة لأبي المعين النسفي (٢ / ٤٨٣ ، ٥٨٥) ،