المنازل العالية ، ومن ذلك أجاز أهل الرياضة إفطارهم إلى قرب العشاء ؛ حذرا عن المشاركة مع أهل الطبيعة في الطعام بعد المغرب.
والثاني : إنه من قبيل الاستبعاد ، فإن مثل القدوة لا يجوز له أن يشرب الدخان ، مما يستبعد في حق غيره من الأولياء ؛ لأنهم على سنن واحد في الأذواق والحالات ، وقد كان في الشام رجل أعور يدّعي المعارف الإلهية ، ويشرب الدخان.
وسمعت من شيخي الإلهي الفضلي : إن شاربه ، وشارب القهوة من أهل الطريقة نفساني وشيطاني ، ومعارفه معارف شيطانية نفسانية ؛ لأن المعارف الإلهية ما كان من طريق التقوى ، والعمل الصالح ، والتقوى على ما نصّ عليه حضرة الشيخ الأكبر قدسسره الأطهر في الفتوحات المكية ، ومع أني على يقين من ذلك ، خطر ببالي أمر ذلك الرجل حين هاجرت إلى الشام ، فرأيت في المنام أيضا حضرة الشيخ الهدائي المدفون في الإسكدار من سواحل القسطنطينية أنه يشرب الدخان.
وأنا أقول : إن مثل سير ذلك خيال لأنه يشرب الدخان ، فسيره إنما هو في ظاهره العلم لا في باطنه هكذا.
يعني أن بعض السائرين يسير في ظاهر العالم ومسلكه ؛ وهو السير الخيالي ، فيظن أنه يدخل في باطن العالم وملكوته ؛ وهو السرّ القلبي الروحاني ، فيغلط في ذلك ، ويقع في الدعوى ، ويحسب أنه قد عرج في المعارج العلى من طريق القلبي العيني ، وأنّى له ذلك وقلبه وروحه متلوّث بالألواث الكونية ، والأدناس الخيالية ، ومثل ذلك خيال ومضل يحشر مع الزناة يوم القيامة ؛ لكونه من الهالكين المهلكين.
وقد قال تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات : ٥٦].
فما كان وسيلة إلى العبادة الواجبة ؛ فهو الحلال الواجب ، وما كان وسيلة إلى تركها واستثقالها ؛ فهو الحرام المحظور.
ولا شك أن الدخان وأمثاله من القبيل الثاني ، ولا يشك فيه أحد من العقلاء ، هذا ما يعطيه الحقائق ، فعليك به ، وإياك والأوهام والخيالات ؛ فإنها طريق البدع والضلال.
رأيت بعض الهنود من أهل الرياضة يشرب الدخان ، ويقول : وجدته أنه لا