__________________
ـ ولذا قال أبو محمد سهل بن عبد الله التستري رضي الله عنه : خرج العلماء والعباد والزهاد من الدنيا وقلوبهم مقفلة ولم تفتح إلا قلوب الصديقين والشهداء ، ثم تلا (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ)[الأنعام : ٥٩].
وقد وقع لغير واحد ممن فعل ما ذكرناه ، واقتفى سبل ما أرشدنا إليه وبيناه ، أنهم كانوا إذا سئلوا عن مسألة دقيقة غامضة أتاهم الجواب من فيض الكريم الوهاب قبل تمام السؤال ، فيجيبون من غير روية ولا فكر ولا إشغال بال بجواب سديد ، محرر مفيد ، فأين الفهم والأوراق من هذه الأذواق ، ومن كان معلمه الحق ، واستمداده من حضرة خير الخلق تضاءلت له الفهوم ، وطافت بكعبة قلبه غرائب العلوم ، كما جرى ذلك لغير واحد ، ممن امتن عليه الكريم الوهاب الواحد.
ومن المعلوم لدى أهل السلوك والعلوم أنه لا تنفتح للسالك طرق المشاهدة إلا بعد الكد والمجاهدة ، ولا تشرق أنوار العلوم اللدنية في جنانه ، وتنفجر ينابيع الحكمة منه إلى لسانه إلا بالذكر والمراقبة ، والإعراض عن السوء والمجانبة ، وإن كتب التعليم لا تفي بذلك ، ولا ترشد السالك إلى ما هنالك ، والسلوك إليه تعالى من غير ملاحظة أحد من أرباب القلوب ، لا يسلم صاحبه غالبا من الدسائس والآفات والعيوب ، ولا يوصله إلى معرفة الله المعرفة المطلوبة عند العارفين ، ولو عبد الله عمر نوح عليهالسلام أو ما زاد عليه من السنين ، بل أجمعوا على أن من لم يصح له نسب في طريق القوم كان لقيطا ، وفعله وقوله تخليطا وتخبيطا ، والسير إليه تعالى بغير دليل يوقع السائر غالبا في التيه والعطب والتهاويل.
والدليل : هو الشيخ المربي يعرفك بحقائق الكائنات ، ويوقفك على معاني التجليات ، فلا يضرك شيء من الأشياء ، ولا تحجبك الظلالات والأفياء ، ثم إنه تارة يربي بالإلقاء الإلهامي من القلب إلى القلب ، وتارة بتقرير العبادات وتبيين الإشارات ، وبيان ما في السلوك إلى ملك الملوك ، وتارة بإلباس خرقة الصوفية المشهورة ، وما يناسبها من الخلوة وغيرها ، وتارة بنظره وهمته وحاله ، فيسري الحال الصادق منه إلى المريد الصادق ، وتارة التربية بنظر المريد إليه وذلك أنه إذا رأى الشيخ ذكر الله ، فيصل بذلك وينجذب به إلى الله ، ويختلف ذلك سرعة وبطئا باختلاف الاستعدادات ، وبالإخلاص في الخدمات والأدب مع المشايخ وحفظ حرمتهم غيبة وحضورا.
وطريق من أراد السلوك ولم يجد بحسب الظاهر مسلّكا ولا مستجمعا للشروط متفانيا في الله هالكا أن يلتجئ إلى الله تعالى ويرفع إليه أمره ، ويشكو له حاله وضره ، ويتشفع إليه بالرسول الأعظم سيدنا محمد صلىاللهعليهوسلم ويتوسل إليه بأسمائه وصفاته ورفعة ذاته ، في أن يدله على من يدله عليه ، ويوصله إلى من يوصله إليه ، ويبالغ في اللجأ والسؤال في كل وقت وكل حال.