__________________
ـ العلم وإن حصل منه ما حصل فنسبته إلينا مجازية ، وإليه حقيقية ، لأنا بالنظر إلى أنفسنا لا علم لنا ، وبالنظر لتعليمه كما قال تعالى : (وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ) [النساء : ١١٣] ولما كان الأمر كذلك قال تعالى : (وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [البقرة : ٢١٦].
وهذه العلوم منها ما هو من العلوم الشهودية ، ومنها ما هو من العلوم الوجودية ، ومنها حسية ومعنوية ، وشرعية وعقلية ، وعرشية وفرشية ، وجلالية وجمالية ، ودنيوية وبرزخية ، ونشرية وحشرية ، وأخروية وكثيفية ، وفعلية وأسمائية ، وصفاتية وذاتية ، وغيبية وعينية ، وملكية وملكوتية ، وجبروتية ولاهوتية ، وغير ذلك من العلوم التي لا تتناهي وكل واحد من هذه العلوم له مراتب في ظهوره وبدو نوره.
ففي أول الظهور قبل المعاينة يسمى علم يقين ، وبعدها علم عين اليقين ، وبعد التحقق فيه والاطلاع على ظواهره وخوافيه يسمى علم حق اليقين ، ومع كثرة العلوم وتشعب الفهوم عند أهل الكشف وأهل الرسوم قال الله الحي القيوم (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً)[الإسراء : ٨٥] فانظر هذا الخطاب الذي عم نظرا جميلا ، وقول الخضر عليهالسلام لموسي الكليم عليه الصلاة والسّلام : «ما أخذت أنا وأنت من علم الله إلا كما أخذ هذا العصفور بمنقاره من البحر» ، أو ما معناه تنمحق دعاويك الباطلة وتنسحق مساويك الهاطلة.
قال : واعلم أن العلوم الربانية والأسرار الرحمانية فيضها عجيب ، وسرها غريب ، لا تدرك إلا من طريق الذوق والوجدان ، ولا تعرف إلا بعد المشاهدة والعيان ، فقد يفتح على العبد المعتني به في لحظة واحدة ما لو جلس يقرر فيه مدة عمره ما وفي به ، إذ فيض الحق سبحانه وتعالي لا يقاس بغيره ، فإنه فيض واسع من واسع عم الأنام ببره وخيره. انتهى المراد منه بلفظه.
قال بعض أهل الأنوار الغارقين في بحار الأسرار : والعجب من أرباب العلوم الظاهرة المحصلين من الاصطلاحات ما يقتبسون به من أنوار الكتاب والسنة الباهرة ، كيف لا يشتغلون بعد تحصيلها بذكر الله ومراقبته ، والإعراض عن كل ما سواه ومجانيته ، على يد من هو أهل لذلك ، ممن أقامه الله لإرشاد الخلق هنالك ، حتى تنصب إلى قلوبهم مياه العلوم اللدنية ، والأسرار الوهبية القدسية ، التي لو عاش أحدهم ألف سنة فما فوقها في تدريس الاصطلاحات وتصنيفها لا يشم منها رائحة ، ولا يشاهد من آثارها وأنوارها لامعة ولا لائحة ، ولكن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء ، والله ذو الفضل العظيم.