__________________
ـ أطباء القلوب وحلول عنايتهم عليه حتى تمحق العجب الذي حل به من تلك الطاعات ، ولا يعجب بعد ذلك إلا بفضل مولاه ، كما قال في «الحكم العطائية» : لا تفرحك الطاعة من حيث أنها برزت منك ، وافرح بها لأنها برزت من الله إليك (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس : ٥٨] فلا تفرح يا أخي ولا تعجب إلا بنواله ، ولا تصحب إلا من يعلمك العلوم التي تقربك إلى حضرة كماله.
انتهى نقله في الحديقة الندية في شرح الطريقة المحمدية.
وقال بعض العارفين كما في «القوت» و «الإحياء» : من لم يكن له نصيب من هذا العلم أخاف عليه سوء الخاتمة ، وأدنى النصيب منه التصديق به وتسليمه لأهله.
وقال أبو علي الثقفي رضي الله عنه : لو أن رجلا جمع العلوم كلها وصحب طوائف الناس لم يبلغ مبلغ الرجال إلا بالرياضة من شيخ أو إمام أو مؤدب ناصح ، ومن لم يأخذ أدبه من أستاذ يريه عيوب أعماله ، ورعونات نفسه لا يجوز الاقتداء به في تصحيح المعاملات.
وقال الشيخ أبو العباس المرسي : والله ما صار الأبدال أبدالا حتى يلقوا مثلنا ، فإن لقوه كان بغيتهم ، وقالوا : ما أفلح من أفلح إلا بصحبة من أفلح ، وكيف يفلح من لم يصاحب مفلحا ، ولله در صاحب نظم بداية السلوك إذ يقول فيه :
إن لم تلاق عارفا في مدتك |
|
لا عاش عمر عيشه كعيشك |
ومن هنا كان الصحيح المختار عند العلماء الموفقين الأبرار أن العارفين بالله أفضل بكثير ، وأعلى بمقدار كبير من العلماء بأحكام الله ، وهكذا قال الشيخ عز الدين ابن عبد السّلام وغيره.
وقال ابن دقيق العيد بعد أن ذكر بعض الأولياء ممن رآه وكان يعتقده ويخضع له : هو عندي خير من مائة فقيه ، أو من ألف فقيه.
ونقل اليافعي في «روض الرياحين» عن القاضي نجم الدين الطبري : أنه جاء خبر إلى مكة بوفاة العارف بالله إسماعيل بن محمد الحضرمي فقال العارف بالله أحمد بن موسى بن عجيل ، وكان حينئذ بمكة : أرجو أن يفديه الله بمائة فقيه. ثم جاء الخبر الصحيح أنه حي ولم يمت إلا بعد مدة طويلة.
وفي «الإحياء» للغزالي في الباب الخامس من كتاب العلم : إن الرتبة العليا في معرفة الله والعلم به الأنبياء ، ثم الأولياء العارفين ، ثم العلماء الراسخين ، ثم الصالحين على تفاوت درجاتهم. راجعه.
وقال الأستاذ أبو القاسم القشيري قدس الله سره في أول «رسالته» : أما بعد ، فقد جعل الله تعالى هذه الطائفة صفوة أوليائه ، وفضلهم على الكافة من عباده بعد رسله وأنبيائه ، ثم جعل قلوبهم معادن