__________________
ـ الغينية في بيان إحاطته ـ عليهالسلام ـ بالعلوم الكونية) وإليك قبسا من هذا الجمع ، قال ـ قدس الله سره ـ في بيان جملة العلوم وأنها بالاعتبار ثلاثة عند أرباب الإدراكات والفهوم :
اعلم أن العلوم على ما قاله غير واحد ثلاثة :
الأول منها : علم الشريعة الظاهرة ، وهو قسمان :
أحدهما : علم الشريعة المتعلق بالأعمال البدنية ، أعني به علم الحلال والحرام ، والأمر والنهي والوعد والوعيد ، ونحوها مما هو متعلق ومرتبط بتكميل ظاهر الذوات من أقوالها وأفعالها ولوازمها ، وتحسين هيئاتها مثل الصلاة والزكاة ، والصوم والحج والجهاد ، وأنواع الأذكار والأدعية وتلاوة القرآن ، واستكمال خصال الفطرة ، وغير ذلك من كل ما له تعلق وارتباط بالسير الجسماني المتعلق بالأعمال البدنية الظاهرة.
والثاني : علم الشريعة المتعلق بالأعمال القلبية وأدوائها وعلاجاتها ، وما تصلح به وما لا أعني به علم كيفية الرجوع إلى الله وإلى طريقه ، ومعرفة الآفات الطارئة على سائر هذا الطريق من دسائس النفوس وغوائلها وشهواتها ، وما تصلح به تلك الآفات ، وتزال به الانحرافات والأخلاق ، ويتبدل به مذمومها لمحمودها ، وتتخطى به المقامات من التوبة والزهد ، والمحاسبة والمراقبة ، والتوكل والرضا ، والتسليم والخوف ، والرجاء والصبر ، والشكر والمحبة ، وغير ذلك من كل ماله تعلق وارتباط بالسير النفساني والروحاني المتعلق بالقلوب.
وهذا هو علم الظاهر المنقول ، الذي هو علم الحكمة والعبودية ، ويسمى أيضا بعلم الكتب والأوراق ، ومنها كما ذكرناه العلم الثاني وهو المسمى عندهم بعلم الطريقة ، الذي هو العلم المتعلق بكيفية تعديل الهيئات النفسانية والروحانية ، وهو وإن كان متعلقا بالقلوب ، والقلوب باطنية لكنه يؤدّى بالعبارة ، والعبارة تظهره وتوضحه ، فصار من قبيل علم الظاهر ، وهو التصوف ، وقد احتوت عليه كتب كثيرة قديمة كالرسالة للقشيري و «القوت» و «الإحياء» ، وحادثة ككتب ابن عطاء الله و «شرح الحكم» لابن عباد ، وكتب الشيخ زروق في التصوف ، والشعراني ، وهذه الكتب بها يحصل السلوك في طريق القوم لنهجها للعبيد ، وببيانها للطريق التي بها يصل المريد ، مع خلوها من الحقائق التي قد تكون سببا في قطعه ، وهو أيضا باطن علم الشريعة المتعلق بالأعمال البدنية ولبه ، وعلم الشريعة المذكور ظاهره وقشره ، لأنه الذي يصونه ، كما أن علم الطريقة قشر لعلم الحقيقة (١) ، لأنه هو الذي يصونها ، فإن من رام الوصول إلى علم الحقيقة ولم يطرق إليه من علم الطريقة فسد حاله ، فصارت حقيقته زندقة ، ولذا قالوا : لا وصول إلى حقيقة إلا بعد تحصيل الطريقة.