أقوى من سائر الأمم في مرتبة الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وكذا في مرتبة الإيمان كما سبق ، فكما أن الملك كجزء من الأجزاء الإنسانية ؛ لأنه بعض قوى الإنسان التي تلي الملكوت ، فكذا الأمم السالفة كعضو من الأعضاء بالنسبة إلى هذه الأمة.
فإن كمالاتهم بعض كمالات هذه الأمة ؛ ولذا لم يكن خير الأمم إلا هذه الأمة ، كما أنه لم يكن ختم الأنبياء إلا نبينا صلىاللهعليهوسلم ؛ لأنه مبعوث للتكميل والتتميم ، ولا شك أن المكمّل بالكسر هو المكمّل بالفتح ، ولهذا المعنى دلائل ، وشواهد كثيرة من القرآن والحديث لا تخفى على العالمين والعارفين.
فليحمد الملك على غناه التام كما قال تعالى : (وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ) [محمد : ٣٨] ، وقوله عزوجل : (وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ) [البقرة : ٢٤٥].
وقوله عزوجل : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) [الأنعام : ١٢٤].
وقوله عزوجل : (يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ) [البقرة : ١٠٥].
١٣ ـ في صحيح مسلم قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من تطهّر في بيته» :
إشارة إلى التطهّر القلبي عن لوث الأغراض الفانية ، وذلك لا يحصل إلا بإخلاص النية ؛ التي هي الأساس في جميع المراتب.
فالتطهّر الجسد الذي هو التوضؤ والاغتسال ؛ إنما هو صورة التطهّر الباطني الروحاني ، فما لم يكن حقيقة ؛ لم يكن شريعة ، وما لم يكن شريعة ؛ لم يظهر حقيقة ، فمن تطهّر في باطنه بالنية ؛ فلا بد له من التطهّر في ظاهره بالوضوء ونحوه ، ومن تطهّر في ظاهره ؛ فلا بد من أن يبنيه على ما يقتضيه مقام الحقيقة ، وإلا فيبقى طاهرا ونجسا.
وقوله صلىاللهعليهوسلم : «ثم مضى إلى بيت من بيوت الله ؛ ليقضي فريضة من فرائض الله».
: أي ليؤدي حقا من حقوق الله الواجبة عليه.
وفيه إشارة إلى أن أداء هذا الحق ؛ هو الذي بعثه على التطهّر أولا ، ثم على المشي ثانيا ، وأضاف البيوت إلى الله ؛ لأن الطهارة لا تقتضي المشي إلى بيوت الغير ؛