والقلب من كل منهما لا يبلى ولا يغنى أبدا ؛ لأنه مما يلي عالم الأمر والملكوت ، وأمّا القالب فيبلى ويفنى ؛ لأنه مما يلي عالم الخلق والملك.
ولا شك إن عالم الخلق والملك عالم الكثافة ، وعالم الأمر والملكوت من عالم اللطافة ، فكما أن من شأن الكثيف الفناء ؛ فكذا من شأن اللطيف البقاء ؛ فالجواهر والمواد باقية من كل من العالمين ، والصورة والأشكال فانية ؛ ولذا تطوى السماوات السبع يوم القيامة ، وتنشق على ما نطق به النص.
فإذا عرفت هذا ؛ اعلم أن ظاهر الإنسان لا يدركه إلا الحسّ ، كما أن باطنه لا يدركه إلا العقل ، فكما أن الحسّ لا يدخل عالم العقل ؛ فكذا العقل والخيال لا يدخل عالم الملكوت ، فمن نظر إلى ظاهر الإنسان ؛ فليس له دعوى الدخول في باطنه ، فإن النظر الحسّي ليس من طرق الدخول في الباطن.
وكذا من نظر إلى ظاهر العالم ؛ فليس له الدعوى المذكور ؛ فإن الحس إنما يدرك الصور ، والأشكال ، والخيال ، والعقل المعاني الجزئية المتعلّقة بالسبع الطباق ،
__________________
ـ محمدا صلىاللهعليهوسلم أن يقول : قل : إنما أنا بشر مثلكم فامتثل أمر ربه عزوجل وقال : (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ) [فصلت : ٦] كما أمر ، قال صلىاللهعليهوسلم ولم يقل : (إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) ، فهو مأمور ببلاغ ما ينزل إليه من ربّه كما أنزل ، من غير زيادة ولا نقصان ، قال الله تبارك وتعالى :
(يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) [المائدة : ٦٧].
فأجسام الأصفياء والمرسلين والأنبياء والصديقين والصالحين نورانية ، ونفوس الأشقياء وأرواحهم وأجسامهم مظلمة ، فإنها هابطة في الدركات إلى أسفل سافلين ، عكس نفوس السعداء ؛ فإنها عارجة إلى عليين ، فالطبيعة أثر الترابية ، والبشرية أثر الطبيعة ، فهي سماء الطبيعة ، ولها النشور من الحشر بالخروج إلى فضاء البسط ، فالحشر صفة قبض ، والنشر صفة بسط ، والله يقبض ويبسط ، فالنفوس بالتزكية تخرج من حشرها إلى نشرها البسطي النوري ، والنفس الشقية ترد على عقبها ، فتدس من نشرها ، وتحشر في عوالم طبيعتها. قال الله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها* وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها)[الشمس : ٩ ، ١٠].