الكامل في الدنيا يطلب مرآة لكماله ، فإن بتلك المرآة يظهر لكماله في المريد ، وأيضا يحصل صورة كمال من المريد ينتفع به المرشد ، وقد جرّب إنه كلّما كان المريد أكمل استعدادا ، وقرر عند الشيخ أمرا من أموره ؛ فإن للشيخ ترقيا بحصول معارف زائدة من تقريراته.
وإن كان المريد لا يعرف ذلك ، ونظيره علم الكيمياء فقد يدخل المتحيّر في العلم من تقرير بعض من لا يقدر على علمه ، وبيد الله الحل ، والعقد ، والقبض ، والبسط ، والعطاء ، والمنع ، ونحن نستفيد إلى الآن من الأرواح الطيبة ، ولهم الاستفادة منّا أيضا بما شاء الله تعالى.
وارد الداخل والخارج
اعلم أن الإنسان صورة العالم وبالعكس ؛ لكن الأول من قبيل الإجمال ، والثاني من قبيل التفصيل.
فكما أن للإنسان ظاهرا ؛ هو قالبه ، وباطنا ؛ هو قلبه ؛ فكذا للعالم ظاهر ؛ هو عالم الكون والفساد ؛ وهو من مقعر السماء السابعة إلى تحت الأرضين ، وباطن ؛ وهو عالم الكرسي والعرش ، وما فوقهما من عالم اللوح ، والأرواح (١).
__________________
(١) قال سيدي محمد وفا في المعاريج : وأما الأرواح فإنها مخلوقة من النور الإفاضي العرشي ، ولها التقدّم في الخلق على الأجساد بألفي عام بما شهد به الخبر النبوي ، وأما الأرواح النورانية السعيدة فإنها تعرج إلى مقامها العلي ، ومحلها البهي ، ضمنها لطيف الجسم النوراني ، والهيكل الإنساني ، فأرواح السعداء ظاهرة أنوارها ، باطنة نفوسها ، مستهلكة الأجسام ضمن الأرواح ، فالأجسام باطن الأرواح في دار البرزخ ، ودار المحشر ، وفي دار الدنيا جسم ظاهر ، والروح باطن ، فالأرواح النورانية في داري الدنيا والبرزخ ، يكشف بعضها بعضا ، ويشهد بعضها لبعض لما بينهن من المناسبة والتعارف ، وقد نبّه رسول الله صلىاللهعليهوسلم على ذلك بقوله : «خلق الله الأرواح أجنادا مجندة ، فما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف».
وكذلك النفوس في مجانستها ومناسبتها ، فالأرواح أنوار للسعداء ، وظلم للأشقياء ، وأجسام السعداء منعمة بتنعيم نفوسها ، وأجسام الأشقياء والعذاب مشترك بين النفوس والأجسام ، وهذا ظهر لهذا ، وهذا بطن لهذا ، فانتشار البشرية ظهور صفات النفس الطبيعية ، التي لا انفكاك للصفة الآدمية الإنسانية منها ، ولا خروج لها عنها ، ولهذا أمر الله تبارك وتعالى نبيه